للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى.

(وَ) قَالَ (الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (لَا تَصِحُّ) لِلصَّلَاةِ مُطْلَقَةً نَظَرًا لِجِهَةِ الْغَصْبِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ) لِلصَّلَاةِ (عِنْدَهَا) ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَأْمُرُوا بِقَضَائِهَا مَعَ عِلْمِهِمْ بِهَا (وَ) قَالَ الْإِمَامُ (أَحْمَدُ لَا صِحَّةَ) لَهَا (وَلَا سُقُوطَ) لِلطَّلَبِ عِنْدَهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ.

وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ مُتَعَمِّقُونَ

ــ

[حاشية العطار]

الِاحْتِمَالَ الْمُخِيفَ وَهُوَ حِرْمَانُ كُلِّ الثَّوَابِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ احْتِمَالُ أَنْ لَا يُعَاقَبَ أَصْلًا وَأَنْ يُعَاقَبَ بِغَيْرِ حِرْمَانِ الثَّوَابِ أَوْ بِحِرْمَانِ بَعْضِهِ فَقَطْ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى جَرَيَانِ الِاحْتِمَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَالثَّانِي قَرَّرَ الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَالْأَوَّلُ اقْتَصَرَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَى بَعْضِهَا تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى) أَيْ لِأَنَّ نَفْيَ الثَّوَابِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِثْبَاتَهُ عَلَى الثَّانِي مِنْ جِهَةِ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ) فِي الْبُرْهَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ مَا نَصُّهُ فَأَمَّا الْقَاضِي فَقَدْ سَلَكَ مَسْلَكًا آخَرَ فَسَلَّمَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ لَيْسَتْ تَقَعُ مَأْمُورًا بِهَا وَلَكِنْ يَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِالصَّلَاةِ عِنْدَهَا كَمَا يَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِأَعْذَارٍ تَطْرَأُ كَالْجُنُونِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا عِنْدِي حَائِدٌ عَنْ التَّحْصِيلِ غَيْرَ لَائِقٍ بِمَنْصِبِ هَذَا الرَّجُلِ الْخَطِيرِ، فَإِنَّ الْأَعْذَارَ الَّتِي يَنْقَطِعُ الْخِطَابُ عِنْدَهَا مَحْصُورَةٌ وَالْمَصِيرُ إلَى سُقُوطِ الْأَمْرِ عَنْ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الِامْتِثَالِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا بِسَبَبِ مَعْصِيَةِ لَابِسِهَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ غَايَةُ الْقَاضِي فِي مَسْلَكِهِ هَذَا ادِّعَاءُ الْإِجْمَاعِ عَلَى سُقُوطِ الْأَمْرِ عَمَّنْ يُقِيمُ الصَّلَاةَ فِي الْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ، ثُمَّ أَخَذَ يُطَوِّلُ دَعْوَاهُ وَيَعْرِضُهَا قَائِلًا لَمْ يَأْمُرْ أَئِمَّةُ السَّلَفِ الْغُصَّابَ بِإِعَادَةِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي أَقَامُوهَا فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَاَلَّذِي ادَّعَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ لَا يَسْلَمْ فَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ مُتَعَمِّقُونَ فِي التَّقْوَى يَأْمُرُونَ بِالْقَضَاءِ بِدُونِ مَا فَرَضَهُ الْقَاضِي وَتَقْدِيرُ الْإِجْمَاعِ مَعَ ظُهُورِ خِلَافِ السَّلَفِ عُسْرٌ، ثُمَّ إنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ فَكَمَا نَقَلَ عَنْهُمْ سُقُوطَ الْأَمْرِ نَقَلَ عَنْهُمْ أَنَّ الْمَوْقِعَ صَلَاةٌ مَأْمُورٌ بِهَا، فَلَئِنْ كَانَ يَعْتَصِمُ عَلَى الْخَصْمِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ فِي غَيْرِ مَا يَنْقُلُهُ، وَلَعَلَّ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْمُجْزِئَةَ لَيْسَتْ مَعْصِيَةً أَسْعَدُ حَالًا فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مِمَّنْ يَدَّعِي وِفَاقَ الْمَاضِينَ عَلَى إسْقَاطِ الْأَمْرِ بِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ اهـ.

وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ، وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ. . . إلَخْ رَدٌّ لِدَلِيلِ الْقَاضِي حَسْبَمَا قَرَّرَهُ الْإِمَامُ فَذِكْرُهُ فِي خِلَالِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إخْلَالٌ.

(قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ لِلصَّلَاةِ عِنْدَهَا) أَيْ لَا بِهَا كَمَا يَسْقُطُ غَسْلُ الْيَدِ عِنْدَ قَطْعِهَا كَذَا نَظَرَ الْحَوَاشِي وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي نَقْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَاضِي التَّنْظِيرَ بِالْعُذْرِ الطَّارِئِ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ) فِي الْمَنْخُولِ لِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ هَذَا الْقَوْلُ لِأَبِي هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ أَيْضًا قَالَ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْمُكْثَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالصَّلَاةُ مُكْثٌ فِي الدَّارِ بِحَرَكَةٍ أَوْ سُكُونٍ وَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُ النَّهْيِ طَاعَةً إذْ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى وَصْفِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِالْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعَ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ وَتَحْرِيمِ الْمُودِعِ بِصَلَاةٍ.

وَقَدْ طُولِبَ بِالرَّدِّ وَأَجْنَاسٍ لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ فَارْتَبَكَ وَقَالَ: أَقْضِي بِفَسَادِ كُلِّ عَقْدٍ يُمْكِنُ التَّحْرِيمُ فِيهِ إنْ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ.

(قَوْلُهُ: مُتَعَمِّقُونَ) أَيْ مُحْتَاطُونَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّعَمُّقَ الْمَذْمُومَ، فَإِنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِمَقَامِهِمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنَّ الْأَكْوَانَ الَّتِي بَنَى الْخَصْمُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا مَعْصِيَةٌ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِهَا غَصْبًا وَنَدَّعِي وَرَاءَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَقَدْ أَجْرَى الْفُقَهَاءُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِإِيضَاحِهَا، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَيْسَ تَحَيُّزُ مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ مَقْصُودِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ يُلَوِّحُ بِضَرْبِ مِثَالٍ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ لِعَبْدِهِ: خِطْ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ لَا تَقْعُدْ الْيَوْمَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَا تَدْخُلْ دَارِي هَذَا الْيَوْمَ، فَإِذَا عَصَاهُ وَجَاوَزَ حُكْمَ نَهْيِهِ وَتَعَدَّاهُ وَدَخَلَ دَارِهِ وَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا كَمَا أَمَرَهُ وَخَاطَ الثَّوْبَ الَّذِي رَسَمَ لَهُ خِيَاطَتَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُعَدُّ مُمْتَثِلًا فِي الْخِيَاطَةِ وَهُوَ وَإِنْ عَصَاهُ بِدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّهُ فِي أَمْرِهِ بِالْخِيَاطَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ لُزُومَ بُقْعَةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَلِذَلِكَ يَحْسُنُ مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: إنْ عَصَيْتُك بِدُخُولِ الدَّارِ لَمْ أَعْصِك فِيمَا أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ إدَامَةِ الْقِيَامِ طُولَ النَّهَارِ اهـ.

١ -

(تَذْيِيلٌ) رَأَيْت فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي أُصُولِ الْأَحْكَامِ لِابْنِ حَزْمٍ مَا نَصُّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>