نَفْسِهِ أَيْ لِاسْتِحَالَتِهِ فَهِيَ عِنْدَهُ مَانِعَةٌ مِنْ طَلَبِهِ بِخِلَافِهَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَاخْتَلَفَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مَأْخَذًا لَا حُكْمًا (لَا وُرُودَ صِيغَةِ الطَّلَبِ) لَهُ لِغَيْرِ طَلَبِهِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ الْإِمَامُ كَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: ٦٥] وَالْإِمَامُ رَدَّ بِمَا قَالَهُ فِيمَا نُسِبَ إلَى الْأَشْعَرِيِّ مِنْ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ بِشِقَّيْهِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَذَكَرَ الْإِمَامَ مَعَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا فَعَلَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَاتَتْهُ الْإِشَارَةُ إلَى اخْتِلَافِ الْمَأْخَذِ الْمَقْصُودِ لَهُ (وَالْحَقُّ وُقُوعُ الْمُمْتَنِعِ بِالْغَيْرِ لَا بِالذَّاتِ) .
أَمَّا وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى كَلَّفَ الثَّقَلَيْنِ بِالْإِيمَانِ وَقَالَ {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: ١٠٣] فَامْتَنَعَ إيمَانُ أَكْثَرِهِمْ لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَذَلِكَ مِنْ الْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا عَدَمُ وُقُوعِهِ
ــ
[حاشية العطار]
نَفْسِهِ أَيْ الْحُكْمُ بِالِامْتِنَاعِ كَائِنٌ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِطَلَبِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ الطَّلَبُ الْكَائِنُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِهَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي) أَيْ الْمَنْقُولِ عَنْ أَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ الْمَانِعَةَ مِنْ الطَّلَبِ بَلْ الْمَانِعُ مِنْ طَلَبِهِ عَدَمُ الْفَائِدَةِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ.
قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: ٦٥] الْأَوْلَى التَّثْمِيلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: ٥٠] ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلْإِهَانَةِ لَا لِلتَّكْوِينِ وَالْآيَةُ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا الْأَمْرُ فِيهَا لِلتَّكْوِينِ، فَإِنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ كَانُوا هُمْ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَمَّا نَفَوْا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ عَنْ اللَّهِ جَعَلُوا هَذَا مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ.
(قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ رَدَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: نَقَلَ الرُّوَاةُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ، ثُمَّ نَقَلُوا اخْتِلَافًا عَنْهُ فِي وُقُوعِ مَا جَوَّزَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا سُوءُ مَعْرِفَةٍ بِمَذْهَبِ الرَّجُلِ، فَإِنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ أَنَّ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى خِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَهَذَا يَتَقَرَّرُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عِنْدَهُ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْأَمْرَ بِالْفِعْلِ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَاقِعٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعَبْدُ مُطَالَبٌ بِمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ رَبِّهِ وَلَا يُنَجِّي مِنْ ذَلِكَ تَمْوِيهُ الْمُمَوِّهِ بِذِكْرِ الْكَسْبِ، فَإِنَّا سَنَذْكُرُ سِرَّ مَا نَعْتَقِدُهُ فِي خَلْقِ الْأَعْمَالِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الصَّحِيحُ عِنْدَكُمْ فِي تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ قُلْنَا: إنْ أُرِيدَ بِالتَّكْلِيفِ طَلَبُ الْفِعْلِ فَهُوَ فِيمَا لَا يُطَاقُ مُحَالٌ مِنْ الْعَالِمِ بِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ الْمَطْلُوبِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وُرُودُ الصِّيغَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ طَلَبًا كَقَوْلِهِ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ كَوْنُهُمْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَكَانُوا كَمَا أَرَدْنَاهُمْ اهـ.
فَهَذَا الْكَلَامُ صَرِيحٌ كَمَا تَرَى فِي أَنَّ التَّرْدِيدَ هُوَ مُخْتَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ تَأْوِيلًا لِكَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ رَدَّدَ بِمَا قَالَهُ إلَخْ يَحْتَاجُ لِتَأْوِيلٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ الْحَوَاشِي لِذَلِكَ فَتَبَصَّرْ.
(قَوْلُهُ: فَحَكَاهُ) أَيْ حَكَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَقَوْلُهُ: بِشِقَّيْهِ الشِّقُّ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: كَوْنُهُ مَطْلُوبًا وَالثَّانِي وُرُودُ صِيغَةِ النَّهْيِ.
(قَوْلُهُ: الْمَأْخَذِ) بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ أَيْ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا وَالْمَقْصُودُ بِالرَّفْعِ صِفَةً لِلْإِشَارَةِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْأَوَّلِ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فِي مَقَامَيْنِ:
الْأَوَّلُ: فِي جَوَازِهِ عَقْلًا، وَقَدْ انْتَهَى.
وَالثَّانِي: فِي وُقُوعِهِ.
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَحْكِيَّةٌ فِي الشَّرْحِ وَمُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ مِنْهَا وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ لَا بِالْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ وَالْمُمْتَنِعُ لِغَيْرِهِ قِسْمَانِ كَمَا مَرَّ، وَالدَّلِيلُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمُتَّبَعُ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ.
وَقَدْ مَرَّ أَنَّ وُقُوعَ