للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ الْوَضْعِ) كَكَوْنِ الطَّلَاقِ سَبَبًا لِحُرْمَةِ الزَّوْجَةِ فَالْخَصْمُ يُخَالِفُ فِي سَبَبِيَّتِهِ (لَا) مَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ نَحْوَ (الْإِتْلَافِ) لِلْمَالِ (وَالْجِنَايَاتِ) عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَسْبَابٌ لِلضَّمَانِ (وَتَرَتُّبُ آثَارِ الْعُقُودِ) الصَّحِيحَةِ كَمِلْكِ الْمَبِيعِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِوَضِ فِي الذِّمَّةِ فَالْكَافِرُ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِ اتِّفَاقًا، نَعَمْ الْحَرْبِيُّ لَا يَضْمَنُ مُتْلِفَهُ وَمُجْنِيَهُ وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمُسْلِمَ وَمَالَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ وَرَدَّ بِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَتْ دَارَ ضَمَانٍ.

ــ

[حاشية العطار]

عِنْدِي تَوَقُّفٌ وَلَا يُنَافِي الْقَوْلُ بِهِ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ أَثَرَهَا فِي الدُّنْيَا وَالْمَقْصُودُ عِقَابُهُمْ فِي الْآخِرَةِ اهـ.

قَالَ سم وَمَا نَقَلَهُ عَنْ وَالِدِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُلَاحَظَ مَعَهُ مَا يَأْتِي فِي الْكِتَابِ أَنَّ أَصْلَ الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ وَالْمَضَارَّ التَّحْرِيمُ وَمَا قَرَّرُوهُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ «الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ» وَمَا بَيَّنُوهُ مِنْ أَقْسَامِ تِلْكَ الْمُشْتَبِهَاتِ إذْ الْكُفَّارُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْفُرُوعِ حُكْمُهُمْ فِيمَا ذَكَرَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ الْوَضْعِ) بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَلَّقُهُ سَبَبًا لِخِطَابِ التَّكْلِيفِ أَوْ شَرْطًا لَهُ أَوْ مَانِعًا وَرُجُوعُهُ إلَيْهِ بِأَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ بِالذَّاتِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بِالِاعْتِبَارِ إذْ الْخِطَابُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ سَبَبٌ لِتَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ هُوَ الْخِطَابُ بِتَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ بِسَبَبِ الطَّلَاقِ اهـ. نَاصِرٌ.

قَالَ سم هَذَا يَقْتَضِي حَمْلَ الْوَضْعِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْخِطَابُ الْمَخْصُوصُ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الشَّارِحِ كَكَوْنِ الطَّلَاقِ سَبَبًا لِحُرْمَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى أَنَّ تَقْدِيرَهُ كَالْخِطَابِ يَكُونُ الطَّلَاقُ سَبَبًا لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ حَمْلُ الْوَضْعِ هُنَا عَلَى مُتَعَلِّقِهِ مَجَازًا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُتَعَلِّقِ عَلَى مُتَعَلَّقِهِ أَوْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْوَضْعِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَكَوْنِ الطَّلَاقِ إلَخْ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِهِ.

فَإِنْ قُلْت: رُجُوعُهُ إلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَطَّرِدُ إذْ الْخِطَابُ بِأَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لَا يَرْجِعُ إلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ إذْ مَرْجِعُهُ الْخِطَابُ بِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوُضُوءِ وَلَيْسَ هَذَا خِطَابُ تَكْلِيفٍ.

قُلْت: لَا يَضُرُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُدَّعَى أَنَّ كُلَّ وَضْعٍ يَرْجِعُ إلَى التَّكْلِيفِ بَلْ أَنَّ مَا يَرْجِعُ مِنْهُ إلَيْهِ لَهُ حُكْمُهُ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى تَفْسِيرِ الرُّجُوعِ بِمَا ذَكَرَهُ بَلْ يَكْفِي تَفْسِيرُهُ بِتَعَلُّقِهِ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ أَوْ وَسَائِطَ لَا مَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُهُ سَبَبًا لِغَيْرِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ كَالْخِطَابِ بِكَوْنِ الْإِتْلَافِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ اهـ. نَاصِرٌ.

(قَوْلُهُ: لَا مَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ) وَمُحَصِّلُ الْجَوَابِ أَنَّ لَهَا جِهَتَيْنِ كَوْنُهَا أَسْبَابًا لِلضَّمَانِ أَيْ شَغْلُ النِّيَّةِ بِهِ وَالتَّمْثِيلُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا أَسْبَابًا لِوُجُوبِ أَدَاءِ بَدَلِ الْمُتْلَفِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ) تَعْلِيلِيَّةٌ وَدَفَعَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ مَا يُقَالُ: إنَّ الْإِتْلَافَاتِ وَالْجِنَايَاتِ أَسْبَابٌ لِوُجُوبِ أَدَاءِ بَدَلِ الْمُتْلَفِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ مُطْلَقًا أَوْ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ فَقَدْ رَجَعْت أَيْضًا إلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَلَمْ يَصِحَّ.

(قَوْلُهُ: وَتَرَتُّبُ آثَارِ الْعُقُودِ) مِثَالٌ لِلْوَضْعِ الْغَيْرِ الرَّاجِعِ وَفِي كَوْنِهِ مِنْ الْوَاضِعِ أَوْ مُتَعَلِّقِهِ نَظَرٌ إذْ التَّرْتِيبُ مُسَبَّبٌ عَنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ الَّتِي هِيَ مُتَعَلِّقُ الْوَضْعِ قَالَهُ النَّاصِرُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مُفَادَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّرَتُّبَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْوَضْعِ الَّذِي مُتَعَلِّقُهُ سَبَبٌ لِغَيْرِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَضْعِ وَلَا مِنْ مُتَعَلَّقِهِ وَلَا هُوَ سَبَبٌ أَصْلًا لِشَيْءٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُتَعَلَّقَ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ كَوْنُ الْعَقْدِ صَحِيحًا.

وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ التَّرَتُّبَ الْمَذْكُورَ مُسَبَّبٌ عَنْ الْمُتَعَلَّقِ الْمَذْكُورِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَبِصِحَّةِ الْعَقْدِ تَرَتَّبَ أَثَرُهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلًا وَالْمُرَادُ كَوْنُ الْعُقُودِ صَحِيحَةً تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا آثَارُهَا وَمَعْنَاهُ كَوْنُهَا سَبَبًا لِآثَارِهَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ التَّرَتُّبِ يُفِيدُ السَّبَبِيَّةَ.

(قَوْلُهُ: نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى عُمُومِ الْكَافِرِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمُسْلِمُ إلَخْ) نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ أَتْلَفَ لَهُ مَالًا، ثُمَّ أَسْلَمَ يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا قُلْنَا بِخِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ وَحَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ عَنْهُ فِيمَا إذَا صَارَ ذِمِّيًّا قَالَهُ الْكَمَالُ.

وَفِي الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ السِّيَرِ حِكَايَةٌ عَنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا جَنَى عَلَى مُسْلِمٍ، ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَتَحَوَّلُ إلَى رَقَبَتِهِ.

(قَوْلُهُ: وَرُدَّ بِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ إلَخْ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>