للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (وَالْخِلَافُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ) مِنْ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ

ــ

[حاشية العطار]

الْإِتْيَانِ بِالشَّرْطِ وَبِأَنَّ نَفْيَ الْفَائِدَةِ فِي الدُّنْيَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَهَا فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ الْعَذَابُ عَلَيْهَا فَفَائِدَةُ التَّكْلِيفِ لَا تَنْحَصِرُ فِي الِامْتِثَالِ، وَلِعِلْمِ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَابِقًا مِنْ قَوْلِهِ وَأُجِيبَ بِإِمْكَانِ امْتِثَالِهِ وَقَوْلُهُ: فَيُعَاقَبُ إلَخْ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِمَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الشِّقِّ الثَّانِي فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِمْ فِيهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ لَا يُتَنَجَّزُ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ بِإِيقَاعِ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ الشَّرْطِ وَلَكِنْ إذَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ مَا يَسَعُ الشَّرْطَ وَالْمَشْرُوطَ وَالْأَوَائِلَ وَالْأَوَاخِرَ فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُعَاقَبَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى حُكْمِ التَّكْلِيفِ مُعَاقَبَةَ مَنْ خَالَفَ أَمْرًا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ نَاجِزًا وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ قَاطِعُ الْعَقْلِ بِالْفَسَادِ وَمَنْ جَوَّزَ تَنْجِيزَ الْخِطَابِ بِإِيقَاعِ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ وُقُوعِ الشَّرْطِ فَقَدْ سَوَّغَ وُقُوعَ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْكُفَّارَ مَأْمُورُونَ بِالْتِزَامِ الشَّرَائِعِ جُمْلَةً وَالْقِيَامِ بِمَعَالِمِهِ تَفْصِيلًا وَمَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ وُجُوبِ الْمُتَوَصَّلِ إلَيْهِ فَقَدْ جَحَدَ أَمْرًا مَعْلُومًا، فَإِنْ قِيلَ: أَتَقْطَعُونَ بِأَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى تَرْكِ فُرُوعِ الشَّرْعِ قُلْنَا: أَجَلْ، وَالْمُوَصِّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ قَطْعًا وُجُوبُ التَّوَصُّلِ وَثَبَتَ أَنَّ تَارِكَ الْوَاجِبِ مُتَوَعَّدٌ بِالْعِقَابِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقَرَّرَ فِي أَصْلِ الدِّينِ وَمُسْتَفِيضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَعْفُو عَنْ الْكُفَّارِ اهـ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ خَاطَبَ اللَّهُ الْعَاصِيَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ شَقِيٌّ لَا يُطِيعُهُ؟ قُلْنَا: أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ الْخِطَابَ لَهُ لَيْسَ طَلَبًا حَقِيقَةً بَلْ عَلَامَةٌ عَلَى شَقَاوَتِهِ وَتَعْذِيبِهِ.

(قَوْلُهُ: قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) اعْتَرَضَهُ الْكُورَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ أَنَّ مَا لَهُ شَرْطٌ شَرْعِيٌّ هَلْ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوَّلًا كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا لَا خِطَابَ تَكْلِيفٍ فِيهِ لَا صَرِيحًا وَلَا ضِمْنًا خَارِجٌ عَنْ الْبَحْثِ وَمَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ مِنْ جُزْئِيَّاتِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فَنَحْوُ الْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَاتِ وَتَرَتُّبُ آثَارِ الْعُقُودِ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ التَّكْلِيفِ مَا كَانَ صَرِيحًا فَلَا يَشْمَلُ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ الْوَضْعِ فَنَبَّهَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ الْخِلَافِ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ الصَّرِيحِ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالتَّكْلِيفِ بَلْ مِثْلُهُ بَعْضُ أَقْسَامِ الْوَضْعِ فَتَحْتَ مَا قَالَهُ طَائِلٌ أَيْ طَائِلٌ اهـ.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ وَالِدِهِ مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ تَبِعَهُ عَلَيْهِ الْبِرْمَاوِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ لَكِنْ رَدَّهُ شَيْخُهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي الْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَةِ قَالَ: بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ.

(قَوْلُهُ: فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ) هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْخِطَابُ بِالْجِهَادِ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ بِي فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الَّتِي لَا أَسْتَحْضِرُهَا الْآنَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِمَا عَدَا الْجِهَادِ، وَأَمَّا الْجِهَادُ فَلَا لِامْتِنَاعِ قِتَالِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ اهـ.

قَالَ سم وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّوْجِيهُ لَا يَجْرِي فِي تَكْلِيفِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِقِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ وَلَا فِي تَكْلِيفِ بَعْضِ الْحَرْبِيِّينَ بِقِتَالِ بَعْضٍ اهـ.

وَفِي الْأَخِيرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجَّحٍ، وَإِنْ كَانَ مُبْهَمًا كَانَ مِنْ قَبِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفِي كَوْنِ الْجِهَادِ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْكُفَّارِ تَوَقُّفٌ.

(قَوْلُهُ: مِنْ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ) يَخْرُجُ النَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ أَوَّلًا بِالتَّكْلِيفِ وَقَالَ: إنَّ الْفَائِدَةَ هِيَ الْعِقَابُ قَالَ: وَأَمَّا مَنْ عَبَّرَ بِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ شَامِلَةٌ لِلْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ اهـ.

وَفِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ لِلْمِنْهَاجِ وَالظَّاهِرُ الْإِبَاحَةُ فِيمَا هُوَ مُبَاحٌ قَالَ وَالِدِي: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ إقْدَامَهُمْ عَلَى الْمُبَاحِ وَهُمْ غَيْرُ مُسْتَنِدِينَ إلَى الشَّرْعِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعُهُ حَرَامٌ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَهُمْ آثِمُونَ عَلَى جُمْلَةِ أَفْعَالِهِمْ، وَهَذَا الْبَحْثُ عَامٌّ فِي الْكِتَابِيِّينَ وَالْمُشْرِكِينَ قَالَ: وَالِدِي وَهُوَ مِمَّا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَفِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>