للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ انْتِفَاءِ شَرْطِهَا فِي الْجُمْلَةِ مِنْ الْإِيمَانِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ الَّتِي لَمْ تَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى صِحَّتِهِ وَيُمْكِنُ امْتِثَالُهُ بِأَنْ يُؤْتِيَ بِهَا بَعْدَ الْإِيمَانِ (وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ) أَيْضًا فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ أَمْتِثَالِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ بِالْإِيمَانِ تَرْغِيبًا فِيهِ قَالَ تَعَالَى {يَتَسَاءَلُونَ} [المدثر: ٤٠] {عَنِ الْمُجْرِمِينَ} [المدثر: ٤١] {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: ٤٢] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: ٤٣] {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: ٦] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: ٧] {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: ٦٨] الْآيَةَ وَتَفْسِيرُ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّهَا شِعَارُهُ وَالزَّكَاةُ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَذَلِكَ لِأَفْرَادِهِ بِالشِّرْكِ فَقَطْ كَمَا قِيلَ خِلَافُ الظَّاهِرِ (خِلَافًا لِأَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ) فِي قَوْلِهِمْ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِهَا (مُطْلَقًا) إذْ الْمَأْمُورَاتُ مِنْهَا لَا يُمْكِنُ مَعَ الْكُفْرِ فِعْلُهَا وَلَا يُؤْمَرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِقَضَائِهَا، وَالْمَنْهِيَّاتُ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا حَذَرًا مِنْ تَبْعِيضِ التَّكْلِيفِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَافَقُونَا (وَ) خِلَافًا (لِقَوْمٍ فِي الْأَوَامِرِ فَقَطْ) فَقَالُوا: لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ النَّوَاهِي لِإِمْكَانِ امْتِثَالِهَا مَعَ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهَا مَتْرُوكٌ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْإِيمَانِ (وَ) خِلَافًا (لِآخَرِينَ فِيمَنْ عَدَا الْمُرْتَدَّ) أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَوَافَقُوا عَلَى تَكْلِيفِهِ بِاسْتِمْرَارِ تَكْلِيفِ الْإِسْلَامِ

ــ

[حاشية العطار]

وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ وَنَحْوَهَا كَالتَّكْلِيفِ بِالصَّلَاةِ وَبِالتَّكْبِيرِ قَبْلَ النِّيَّةِ فِيهِمَا.

وَفِي الْبُرْهَانِ قَدْ نَقَلَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ الْمُحْدِثُ مُخَاطَبًا بِالصَّلَاةِ وَلَوْ اسْتَمَرَّ حَدَثُهُ دَهْرَهُ لَقَى اللَّهَ تَعَالَى غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِصَلَاةٍ فِي عُمْرِهِ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: فَإِنْ أَرَادَ الرَّجُلُ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ الْحَقُّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ لِتَرْكِهِ التَّوَصُّلَ إلَيْهَا فَقَدْ خَرَقَ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ وَيَعْنِي بِمَا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ: قَبْلَ هَذَا النَّقْلِ أَنَّ الْمُحْدِثَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُطْلَبَ بِإِنْشَاءِ الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ.

(قَوْلُهُ: مَعَ انْتِفَاءِ شَرْطِهَا فِي الْجُمْلَةِ) لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي الْعِبَادَاتِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْإِيمَانِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى كُلِّ فَرْعٍ فُرِّعَ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَهَذَا التَّوْجِيهُ يَرْجِعُ فِي التَّحْقِيقِ إلَى تَقْيِيدِ مَحَلِّ النِّزَاعِ بِبَعْضِ فُرُوعَ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْعِبَادَاتُ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ لَا غَيْرَهَا مِنْ الْفُرُوعِ كَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِ وَالْمُبَاحَاتِ وَالتُّرُوكِ أَوْ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمَّا كَانَ شَرْطًا فِي الشَّرْطِ وَهُوَ النِّيَّةُ كَانَ شَرْطًا فِي الْجُمْلَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ) أَيْ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْفِعْلِ بِهَا بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِشَرْطِهَا مِنْ الْإِيمَانِ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْكَافِرَ مُطَالَبٌ بِالْإِتْيَانِ بِهَا حَالَةَ كُفْرِهِ لِعَدَمِ اتِّصَافِهِ بِشَرْطِ صِحَّتِهَا وَهُوَ الْإِيمَانُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ: إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى مُسْلِمٌ فَلَا مُنَافَاةَ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ الصَّحِيحَ الصِّحَّةُ أَيْ الْجَوَازُ.

(قَوْلُهُ: فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ امْتِثَالِهِ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى فَائِدَةِ الْخِلَافِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَكْلِيفِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ فَقَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي حَالَةَ الْكُفْرِ وَلَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ.

(قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْوُقُوعِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّ الْآيَاتِ الْآمِرَةَ بِالْعِبَادَةِ تَتَنَاوَلُهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١] وَقَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] فَيَجِبُ كَوْنُهُمْ مُكَلَّفِينَ بِالْفُرُوعِ لِلْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ إذْ لَا مَانِعَ يُفْرَضُ هُنَاكَ إلَّا الْكُفْرُ، وَالْكُفْرُ غَيْرُ مَانِعٍ لِإِمْكَانِ إزَالَتِهِ كَالْحَدَثِ الْمَانِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَانِعًا مُمْكِنَ الزَّوَالِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ إرَادَةُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ النَّاسِ لَا الْجِنْسِ وَلَوْ سَلَّمَ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاعْبُدُوا آمِنُوا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُفَّارِ عَلَى مَا قِيلَ: إنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَمْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالطَّاعَةِ وَالْكَافِرِينَ بِالْإِيمَانِ وَالْمُنَافِقِينَ بِالْإِخْلَاصِ أَوْ نَقُولُ عَلَى فَرْضِ تَسْلِيمِ الْعُمُومِ فِي كَلِمَةِ النَّاسِ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ إجْمَاعًا فَخَصَّ الْكَافِرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْعِبَادَةِ مَعَ الْكُفْرِ وَلَا إيجَابُ الْإِيمَانِ لِإِيجَابِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ لَكِنَّ الْإِيمَانَ أَصْلُ الْعِبَادَةِ فَلَا يَصِيرُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْمُقْتَضَى.

(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ تَفْسِيرُ لَفْظِ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا.

(قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ كُلٍّ مِنْ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ.

(قَوْلُهُ: خِلَافُ الظَّاهِرِ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ حَمْلُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا الشَّرْعِيَّتَيْنِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ اسْمِ الْإِشَارَةِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ جَمِيعُهُ لِيَكُونَ الْوَعِيدُ عَلَى الْقَتْلِ وَالزِّنَا مَذْكُورًا أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: إذْ الْمَأْمُورَاتُ مِنْهَا) أَيْ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّكْلِيفِ بِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِعْلُهَا مَعَ الْكُفْرِ يُمْكِنُ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>