للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُبَيِّنُ الْمُرَادَ كَمَا فِي الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِمُتَأَخِّرٍ (خِلَافًا لِلْمُرْجِئَةِ) فِي تَجْوِيزِهِمْ وُرُودَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ حَيْثُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الظَّاهِرَةِ فِي عِقَابِ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ التَّرْهِيبُ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ وَسُمُّوا مُرْجِئَةً لِإِرْجَائِهِمْ أَيْ تَأْخِيرِهِمْ إيَّاهَا عَنْ الِاعْتِبَارِ (وَبَقَاءُ الْمُجْمَلِ) فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ الْأَتْي مِنْ وُقُوعِهِمْ فِيهِمَا (غَيْرُ مُبَيَّنٍ) أَيْ عَلَى أَحْمَالِهِ بِأَنْ لَمْ يَتَّضِحْ الْمُرَادُ مِنْهُ إلَى وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْوَالٌ:

أَحَدُهَا: لَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ الدِّينَ قَبْلَ وَفَاتِهِ

ــ

[حاشية العطار]

بِالْأُولَى ذُكِرَتْ عَقِبَهَا فِي كُتُبِهِمْ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ خَفِيَ عَلَى الشَّيْخِ مِثْلُ هَذَا بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ أَيْ نَصْبُ قَرِينَةٍ وَهَلْ تَكُونُ الْقَرِينَةُ إلَّا مِنْ الْمُتَكَلِّمِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ الْإِشْكَالُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَهُ مُسْتَنِدٌ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ، وَالسُّنَّةُ كَالشَّرْحِ لِلْكِتَابِ فَرَجَعَ الدَّلِيلُ فِيهِ إلَى الْكِتَابِ.

وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالْعَقْلِ فَإِنَّهُ لِظُهُورِهِ كَانَ مُغْنِيًا عَنْ نَصْبِ الْقَرِينَةِ وَمِثْلُهُ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ كَثِيرًا بِالْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَفِي الْقُرْآنِ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْمَجَازِ كَثِيرٌ مُعْتَمَدٌ فِيهِ عَلَى فَهْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ

(قَوْلُهُ: يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ بِحَسَبِ الظُّهُورِ فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الْمُبَيِّنَةَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُفِيدَ الْمُرَادَ قَطْعًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالدَّلِيلِ مَا يَشْمَلُ الْعَقْلَ لِأَنَّهُ صَارِفٌ لِلْمُتَشَابِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَعَمُّ مِمَّا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَمِنْ الصَّارِفِ عَنْ الظَّاهِرِ فَيَشْمَلُ مَذْهَبَيْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ فِي الْمُتَشَابِهِ

(قَوْلُهُ: بِمُتَأَخِّرٍ) اقْتِصَارٌ عَلَى مَا هُوَ الشَّأْنُ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ إذَا تَقَدَّمَ أَوْ قَارَنَ (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ إلَخْ) قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ هُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ آيَاتِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْإِحْسَانِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّرْهِيبِ مِنْ الْمَلَاهِي وَالظُّلْمِ كَيْ لَا يَخْتَلَّ نِظَامُ الْعَالَمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ اهـ.

فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْإِرْجَاءَ وَقَعَ فِي آيَاتِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لَا الْوَعِيدِ فَقَطْ كَمَا يُوهِمُهُ اقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لِتَأْخِيرِهِمْ إيَّاهَا) أَيْ الْآيَاتِ عَنْ اعْتِبَارِ مَعْنَاهَا لِصَرْفِهَا عَنْ ظَاهِرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْمَعْصِيَةِ أَوْ تَأْخِيرِ ضَرَرِهَا عَنْ الِاعْتِبَارِ فَمُرْجِئَةٌ بِالْهَمْزِ مِنْ أَرْجَأَ بِمَعْنَى أَخَّرَ أَوْ لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ الرَّجَاءَ بِقَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ فَعَلَى هَذَا يُقَالُ مُرَجِّيَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ كَمُقَدِّمَةٍ فَإِنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ أَرْجَيْت وَأَخْطَيْت وَتَوَضَّيْت نَقَلَهُ فِي الصِّحَاحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ ارْتِفَاعُ الْوُثُوقِ بِخَبَرِهِ تَعَالَى إذْ لَا كَلَامَ إلَّا وَيُحْتَمَلُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي بَقَاءِ الْمُجْمَلِ) .

قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ بَقِيَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مُجْمَلٌ قُلْنَا اضْطَرَبَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَمَنَعَ مَانِعُونَ هَذَا وَاسْتَرْوَحُوا إلَى قَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] وَأَيْضًا لَوْ سَاغَ اشْتِمَالُ الْقُرْآنِ عَلَى مُجْمَلَاتٍ لَتَطَرَّقَ إلَى الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وُجُوهٌ مِنْ الْمَطَاعِنِ.

وَقَالَ قَائِلُونَ لَا يَمْتَنِعُ اشْتِمَالُ الْقُرْآنِ عَلَى مُجْمَلَاتٍ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهَا إلَّا اللَّهُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا يَثْبُتُ التَّكْلِيفُ فِي الْعَمَلِ بِهِ يَسْتَحِيلُ اسْتِمْرَارُ الْإِجْمَالِ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُرُّ إلَى تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ التَّكْلِيفِ فَلَا يَبْعُدُ اسْتِمْرَارُ الْإِجْمَالِ فِيهِ وَاسْتِئْثَارُ اللَّهِ تَعَالَى أَسِرَ فِيهِ وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يُحِيلُ ذَلِكَ وَلَمْ يُرِدْ الشَّرْعُ مِمَّا يُنَاقِضُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: عَلَى إجْمَالِهِ) قَالَ النَّاصِرُ الْبَقَاءُ هُوَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ وَتَحْقِيقُهُ الْوُجُودَ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي وَمُتَعَلِّقُهُ فِي قَوْلِهِ وَفِي بَقَاءِ الْمُجْمَلِ غَيْرَ مُبَيَّنٍ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُبَيَّنٍ وَهُوَ عَدَمِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِوُجُودِيٍّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ.

أَقُولُ: مُحَصَّلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْبَقَاءَ مَعْنًى وُجُودِيٌّ لِكَوْنِهِ عِبَارَةً عَنْ وُجُودِ الشَّيْءِ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَغَيْرَ مُبَيَّنٍ حَالٌ مِنْ الْمُجْمَلِ الْعَامِلِ فِيهِ الْبَقَاءُ وَالْحَالُ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا وَهُوَ عَدَمِيٌّ لِكَوْنِ النَّفْيِ مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ الْبَقَاءَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ وُجُودِيٌّ نَقُولُ لَا مَانِعَ مِنْ تَقْيِيدِ الْوُجُودِيِّ بِالْعَدَمِيِّ فَهَذِهِ الْحَالُ فِي مَعْنَى الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّهْوِيلِ وَلَا لِمَا سَلَكَهُ سم مِنْ التَّطْوِيلِ

(قَوْلُهُ: أَحَدُهَا لَا) أَيْ مُطْلَقًا كُلِّفْنَا بِمَعْرِفَتِهِ أَوْ لَا كَالْقُرْءِ فِي الْأَوَّلِ وَالْيَدِ فِي الثَّانِي وَأُورِدُ عَلَيْهِ الْمُتَشَابِهَ فَإِنَّهُ مُجْمَلٌ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُبَيَّنٍ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَقُولُ: إنَّهُ مُبَيَّنُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ الدِّينَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى لِصِدْقِ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>