للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ يُسَمَّى بِذَلِكَ (إنْ أَفَادَ مَعْنًى لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ ذَلِكَ الْمَعْنَى (كَزَيْدٍ) فِي نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ لِلذَّاتِ الْمُشَخَّصَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِمَالٍ لِغَيْرِهَا (ظَاهِرٌ) أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ (إنْ اُحْتُمِلَ) بَدَلُ الْمَعْنَى الَّذِي أَفَادَهُ (مَرْجُوحًا كَالْأَسَدِ) فِي نَحْوِ رَأَيْت الْيَوْمَ الْأَسَدَ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ مُحْتَمِلٌ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ بَدَلَهُ

ــ

[حاشية العطار]

وَبَعْدَ اللَّتَيَّا وَاَلَّتِي فَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنْ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ وَأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى مَا شَاءَ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ عَنْ مِثْلِهِ مَعَ عُلُوِّ شَأْنِهِ إمَّا أَوْ لَا فَلِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ إمَامٌ جَلِيلٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَرْتَبَةِ مَنْ ذَكَرَهُمْ وَعَدَّدَهُمْ إلَّا أَنَّهُ مُتَتَبِّعٌ لِكَلَامِهِمْ وَمُقْتَبِسٌ مِنْ عُلُومِهِمْ فَهُوَ يَحْذُو حَذْوَهُمْ.

وَقَدْ اعْتَنَتْ الْأَفَاضِلُ بِشَرْحِ كَلَامِهِ وَنَاهِيك بِالْعَضُدِ وَالسَّيِّدِ وَالسَّعْدِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً، وَهُمْ نَقَدَةُ الْكَلَامِ وَقَادَةُ الْأَفْهَامِ فَسُكُوتُهُمْ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُمْ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ، فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ عَلِمْت ذَلِكَ قُلْت: إنَّ الْعَلَّامَةَ سم مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ وَكَثْرَةِ النَّقْلِ عَنْ الْعَضُدِ وَمَوَادِّهِ وَغَيْرِهَا لَوْ وَجَدَ شَيْئًا يَتَمَسَّكُ بِهِ فِي تَأْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَكَانَ أَحَقَّ بِالذِّكْرِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي اتَّخَذَهُ دَيْدَنًا عِنْدَ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى نَقْلٍ قَوِيٍّ أَوْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ عَلَى أَنَّا وَجَدْنَا مُقَوِّيًا لِكَلَامِ النَّاصِرِ بِأَنَّ تَخْصِيصَ الْأُصُولِيِّينَ أَقْسَامَ الْمَفْهُومِ بِالْأَحْكَامِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مَفْهُومًا مُفْرَدًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْطُوقَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُقَابِلٌ لَهُ.

وَفِي الْمِنْهَاجِ وَالتَّلْوِيحِ مَا يُوَافِقُ ابْنَ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ الْأَوَّلُ الْخِطَابُ إمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْحُكْمِ بِمَنْطُوقِهِ إلَخْ وَقَالَ الثَّانِي الْحُكْمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ النَّظْمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِنَفْسِ النَّظْمِ أَوْ لَا إلَى آخِرِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْسِيمِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا اُشْتُهِرَ أَنْ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ لَيْسَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ وَاتَّخَذَهُ دَيْدَنًا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ فَنٍّ أَنْ يُشَاحِحَ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ فَنٍّ آخَرَ عَلَى أَمْرٍ اُصْطُلِحَ عَلَيْهِ لَا أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْوُثُوقِ بِالْأَلْفَاظِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ وَاشْتِبَاهُ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْوَاضِعُ بِغَيْرِهِ وَسَدُّ أَبْوَابِ الِاعْتِرَاضِ، فَإِنَّ لِلْخَصْمِ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا أَمْرٌ اصْطَلَحْت عَلَيْهِ أَنَا وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ فَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ الْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي طَبَقَةِ الْوَاضِعِ أَوْ بَعْدَهَا مِمَّنْ لَهُ اسْتِخْرَاجٌ فِي الْفَنِّ وَتَمْهِيدٌ لِقَوَاعِدِهِ كَالسَّكَّاكِيِّ وَعَبْدِ الْقَاهِرِ وَالزَّمَخْشَرِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى فَنِّ الْبَيَانِ وَكَذَلِكَ سِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّحْوِ وَكَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِفَنِّنَا هَذَا إلَّا أَنَّ كُلَّ مُصَنِّفٍ أَوْ مُشْتَغِلٍ بِذَلِكَ الْفَنِّ لَهُ أَنْ يَضَعَ أَلْفَاظًا يَصْطَلِحُ عَلَيْهَا وَيَسْتَعْمِلُهَا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَإِلَّا كَانَ نَسْخًا لِمَا عَلَيْهِ الْأَوَّلُ

(قَوْلُهُ: أَيْ يُسَمَّى بِذَلِكَ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ حَمْلُ تَسْمِيَةٍ لَا حَمْلُ وَصْفٍ وَالنَّصُّ مَأْخُوذٌ مِنْ مِنَصَّةِ الْعَرُوسِ وَهُوَ الْمَحَلُّ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ فَكَأَنَّ النَّصَّ ظَهَرَ عَنْ الِاحْتِمَالِ ثُمَّ هُوَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا ذَكَرَ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُقَابِلِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَالْإِجْمَاعِ فَيُرَادُ بِهِ الدَّلِيلُ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ فَيَعُمُّ الظَّاهِرَ وَتَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ، وَهُوَ الْمَعْنَى هُنَا.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إنَّهُ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا احْتِمَالًا مَرْجُوحًا وَهُوَ بِمَعْنَى الظَّاهِرِ وَعَلَى مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى كَيْفَ كَانَ وَيُطْلَقُ النَّصُّ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ بِإِزَاءِ الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ فَيُرَادُ بِالنَّصِّ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَصًّا لَا احْتِمَالَ فِيهِ أَوْ ظَاهِرٌ أَوْ يُرَادُ بِالْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ مَا خَرَجَ أَيْ اُسْتُنْبِطَ مِنْ نَصِّهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ

(قَوْلُهُ: فِي نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْإِفَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالتَّرْكِيبِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُفِيدٌ لِلذَّاتِ) فَيَسْتَشْكِلُ بِصِحَّةِ التَّجَوُّزِ فِي الْإِعْلَامِ فَيَحْتَمِلُ زَيْدٌ مَعْنًى مَجَازِيًّا.

وَقَدْ قَالَ النُّحَاةُ: إنَّ التَّأْكِيدَ فِي جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ لِدَفْعِ الْمَجَازِ عَنْ الذَّاتِ وَاحْتِمَالُ أَنَّ الْجَائِيَ رَسُولُهُ أَوْ كِتَابُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُتَجَوَّزُ فِيهِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ اشْتِهَارًا بِوَصْفٍ وَلَا كَذَلِكَ زَيْدٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ التَّجَوُّزُ بِغَيْرِ الِاسْتِعَارَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ، وَالْمَجَازُ الَّذِي يَدْفَعُهُ التَّأْكِيدُ الْمَجَازُ الْحَذْفِيُّ أَوْ الْعَقْلِيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ زَيْدًا مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ بَلْ هُوَ نَصٌّ فِي مَدْلُولِهِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالْإِنْصَافُ أَنَّ مَادَّةَ الِاحْتِمَالِ لَمْ تَنْقَطِعْ وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الِاحْتِمَالَ الضَّعِيفَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ. اهـ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ

(قَوْلُهُ: إنْ احْتَمَلَ) أَيْ اللَّفْظُ (قَوْلُهُ: بَدَلَ الْمَعْنَى) الْبَدَلِيَّةُ مِنْ حَيْثُ الْإِرَادَةُ وَإِلَّا فَهُوَ مُحْتَمِلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>