فِي الْأَوَّلِ (وَالْحُرُوفُ الْأَصْلِيَّةُ) بِأَنْ تَكُونَ فِيهِمَا عَلَى تَرْتِيبٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي النَّاطِقِ مِنْ النُّطْقِ بِمَعْنَى التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً وَبِمَعْنَى الدَّلَالَةِ مَجَازًا كَمَا فِي قَوْلِك الْحَالُ نَاطِقَةٌ بِكَذَا أَيْ دَالَّةٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ لَا يُشْتَقُّ مِنْ الْمَجَازِ كَمَا فِي الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ مَجَازًا كَمَا سَيَأْتِي لَا يُقَالُ مِنْهُ آمِرٌ وَلَا مَأْمُورٌ مَثَلًا بِخِلَافِهِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ حَقِيقَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّ عَدَمَ الِاشْتِقَاقِ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ عَلَامَاتِ كَوْنِهِ مَجَازًا أَنَّهُمْ مَانِعُونَ الِاشْتِقَاقَ مِنْ الْمَجَازِ كَمَا فَهِمَهُ عَنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَأَشَارَ بِلَوْ كَمَا قَالَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَلَامَةَ لَا يَلْزَمُ انْعِكَاسُهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الِاشْتِقَاقِ وُجُودُ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ مَا ذَكَرَ تَعْرِيفٌ لِلِاشْتِقَاقِ الْمُرَادِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ الصَّغِيرُ أَمَّا الْكَبِيرُ فَلَيْسَ فِيهِ التَّرْتِيبُ كَمَا فِي الْجَذْبِ وَجَبذْ، وَالْأَكْبَرُ لَيْسَ فِيهِ جَمِيعُ الْأُصُولِ كَمَا فِي الثَّلْمِ وَثَلْبٍ وَيُقَالُ أَيْضًا أَصْغَرُ وَصَغِيرٌ وَكَبِيرٌ وَأَصْغَرُ وَأَوْسَطُ وَأَكْبَرُ.
(وَلَا بُدَّ) فِي تَحَقُّقِ الِاشْتِقَاقِ (مِنْ تَغْيِيرٍ) بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَحْقِيقًا كَمَا فِي ضَرَبَ مِنْ الضَّرْبِ وَقَسَّمَهُ فِي الْمِنْهَاجِ
ــ
[حاشية العطار]
عَدَمُ الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَكُونَ) ، أَيْ: الْحُرُوفُ بِتَمَامِهَا؛ إذْ الْكَلَامُ فِي الِاشْتِقَاقِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي جَمِيعِ الْحُرُوفِ وَقَيَّدَ الْحُرُوفَ بِالْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَزِيدَةَ لَا يُحْتَاجُ لِلِاشْتِقَاقِ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَصْلِيَّةِ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً كُلُّهَا؛ إذْ قَدْ يُحْذَفُ بَعْضُهَا لِعَارِضٍ كَخِفْ وَكُلْ مِنْ الْخَوْفِ، وَالْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ لِعِلَّةٍ تَصْرِيفِيَّةٍ كَالثَّابِتِ فَإِنَّ أَصْلَ خِفْ أَخْوَفْ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا فَاسْتَغْنَى عَنْ هَمْزَةِ الْوَصْلِ، ثُمَّ حُذِفَتْ الْوَاوُ؛ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى تَرْتِيبٍ وَاحِدٍ) تَفْسِيرٌ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْحُرُوفِ فَلَمْ يُهْمِلْ الْمُصَنِّفُ قَيْدَ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ، ثُمَّ إنَّهُ خَرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ الِاشْتِقَاقُ الْكَبِيرُ وَخَرَجَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ الِاشْتِقَاقَ الْأَكْبَرَ.
(قَوْلُهُ: الْحَالُ نَاطِقَةٌ بِكَذَا) مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ، أَوْ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكِنِيَّةِ وَتَقْرِيرُهُمَا غَيْرُ خَفِيٍّ عَلَيْك.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ) ، أَيْ: الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ، أَيْ: الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ كَاضْرِبْ مَثَلًا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ إلَخْ) ، أَيْ: حَتَّى يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْجُمْهُورِ كَمَا، فَهِمَ الْمُصَنِّفُ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالْفَاءِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ مَانِعُونَ الِاشْتِقَاقَ) ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ عَدَمِ الِاشْتِقَاقِ عَلَامَةً عَلَى الْمَجَازَانِ وُجُودُ الِاشْتِقَاقِ عَلَامَةً عَلَى عَدَمِ الْمَجَازِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُ إلَخْ) فِيهِ تَجَوُّزٌ؛ إذْ ظَاهِرُهُ أَنْ عَكْسَ الْعَلَامَةِ هَاهُنَا كُلَّمَا وُجِدَ الِاشْتِقَاقُ وُجِدَتْ الْحَقِيقَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ عَكْسُهَا كُلَّمَا وُجِدَ الْمَجَازُ وُجِدَ عَدَمُ الِاشْتِقَاقِ كَمَا أَنَّ إطْرَادَهَا كُلَّمَا وُجِدَ عَدَمُ الِاشْتِقَاقِ وُجِدَ الْمَجَازُ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّغِيرُ) قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ إنْ اعْتَبَرَ فِي الِاشْتِقَاقِ الْحُرُوفَ الْأُصُولَ مَعَ التَّرْتِيبِ، فَالِاشْتِقَاقُ الصَّغِيرُ، وَإِلَّا فَإِنْ اعْتَبَرَ الْحُرُوفَ الْأُصُولَ، فَالْكَبِيرُ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ الْحُرُوفِ بِالنَّوْعِيَّةِ، وَالْمَخْرَجِ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ الِاشْتِقَاقِ فِي مِثْلِ الْحَبْسِ مَعَ الْمَنْعِ، وَالْقُعُودِ مَعَ الْجُلُوسِ وَيُسَمَّى الْأَكْبَرَ.
(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ فِيهِ التَّرْتِيبُ) الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ التَّرْتِيبِ فَيَكُونُ مُبَايِنًا لِلصَّغِيرِ وَحِينَئِذٍ، فَالتَّسْمِيَةُ بِصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ اصْطِلَاحِيَّةٌ خَالِيَةٌ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ فَيَصْدُقُ بِوُجُودِ التَّرْتِيبِ وَعَدَمِهِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الصَّغِيرِ، فَالتَّسْمِيَةُ حِينَئِذٍ بِالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ أَكْثَرُ إفْرَادًا.
(قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهِ جَمِيعُ الْأُصُولِ) ، أَيْ: بَلْ فِيهِ الْمُنَاسَبَةُ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَا فِي الثَّلْمِ وَثَلَبَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الضَّمَانُ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّمِّ؛ لِأَنَّهُ ضَمَّ ذِمَّةً إلَى أُخْرَى فَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ قَالَ أَبُو حَيَّانَ لَمْ يَقُلْ بِالِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ مِنْ النُّحَاةِ إلَّا أَبُو الْفَتْحِ وَكَانَ ابْنُ الْبَاذِشِ يَأْنَسُ بِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ.
وَعَنْ ابْنِ فَارِسٍ أَنَّهُ قَالَ بِهِ وَبَنَى عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْمَقَايِيسُ فِي اللُّغَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَجْمُوعَ كَلَامِ الشَّارِحِ هُنَا يُوهِمُ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ فِي أَنْوَاعِ الِاشْتِقَاقِ الثَّلَاثَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُنَاسَبَةُ فِي الصَّغِيرِ بِمَعْنًى وَفِي الْكَبِيرِ، وَالْأَكْبَرِ بِمَعْنًى آخَرَ، فَالْمُنَاسَبَةُ فِي الصَّغِيرِ مَعْنَاهَا الْمُوَافَقَةُ وَبِالْمُوَافَقَةِ غَيَّرَ فِيهِ