للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَبْقَيَا الْمَسْأَلَةَ عَلَى عُمُومِهَا وَغَيْرُهُمَا كَالْإِسْنَوِيِّ سَلَّمَ لِلْقَرَافِيِّ تَخْصِيصَهَا.

(وَقِيلَ: إنْ طَرَأَ عَلَى الْمَحَلِّ) لِلْوَصْفِ (وَصْفٌ وُجُودِيٌّ يُنَاقِضُ) الْوَصْفَ (الْأَوَّلَ) كَالسَّوَادِ بَعْدَ الْبَيَاضِ، وَالْقِيَامِ بَعْدَ الْقُعُودِ (لَمْ يُسَمَّ) الْمَحَلُّ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِالْمُشْتَقِّ مِنْ اسْمِهِ (إجْمَاعًا) ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ جَرَيَانُهُ فِيهِ؛ إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَرْقٌ (وَلَيْسَ فِي الْمُشْتَقِّ) الَّذِي هُوَ

ــ

[حاشية العطار]

التَّلَبُّسِ لَا حَالُ النُّطْقِ فَاسْمُ الْفَاعِلِ مَثَلًا حَقِيقَةٌ فِيمَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِالْمَعْنَى حِينَ قِيَامِهِ بِهِ حَاضِرًا عِنْدَ النُّطْقِ، أَوْ مُسْتَقْبَلًا، وَمَجَازٌ فِيمَنْ سَيَتَّصِفُ بِهِ، وَكَذَا فِيمَنْ اتَّصَفَ بِهِ فِيمَا مَضَى عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَكَوْنُهُ مَجَازًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ مَحَلُّهُ فِي وَصْفٍ لِمَخْلُوقٍ فَاَللَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ فِي الْأَزَلِ بِالْخَالِقِ، وَالرَّازِقِ حَقِيقَةً، وَإِنْ قُلْنَا صِفَاتُ الْفِعْلِ مِنْ الْخَلْقِ، وَالرِّزْقِ وَنَحْوِهِمَا حَادِثَةٌ فِيهِ نَظَرٌ إذَا الْكَلَامُ فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَقِّ عَلَى الْمَحَلِّ قَبْلَ اتِّصَافِهِ بِالْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَزَلِ لِحُدُوثِهِ، وَالْمَوْجُودُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ وَصْفُهُ تَعَالَى بِمَعْنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صِفَاتِهِ الْفِعْلِيَّةَ قَدِيمَةٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ اهـ. زَكَرِيَّا.

وَأَقُولُ: لَا وَجْهَ لِهَذَا النَّظَرِ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ حَادِثَةٌ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ لِكَوْنِهَا رَاجِعَةً لِتَعَلُّقَاتِ الْقُدْرَةِ التَّنْجِيزِيَّةِ الْحَادِثَةِ، فَهِيَ صِفَاتٌ إضَافِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ قَدِيمَةٌ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ لِرُجُوعِهَا لِصِفَةِ التَّكْوِينِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْإِنْصَافُ بِهَا بِاعْتِبَارِ قِيَامِ مَبْدَئِهَا بِالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، وَهِيَ صِفَاتُ التَّأْثِيرِ، فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِهَا أَزَلًا وَأَبَدًا.

وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلَا إشْكَالَ، وَالتَّنْظِيرُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي أَنَّ صِحَّةَ الْإِطْلَاقِ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَيْهِ فَيُشْكِلُ الْإِطْلَاقُ حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَصِحُّ دَعْوَى الْمَجَازِ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالْحَقُّ أَنَّ الْإِطْلَاقَ حَقِيقِيٌّ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ تَأَمَّلْ.

وَقَدْ تَعَقَّبَ الْكُورَانِيَّ الْقَرَافِيَّ أَيْضًا بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَقَاءِ فِي الْمُشْتَقِّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ مَحْكُومًا بِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ أَمَّا أَوَّلًا؛ فَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي اللُّغَةِ هَلْ يَشْتَرِطُ بَقَاءَ الْمَعْنَى لِلْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً أَمْ لَا وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ كَوْنَ اللَّفْظِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، أَوْ مَحْكُومًا بِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي هَذَا لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ وُجُوبَ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّانِي، وَالسَّارِقِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ فِي النَّصَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَعَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا، بَلْ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى الْوَصْفِ الصَّالِحِ لِلْعَلِيَّةِ فَحَيْثُ وُجِدَ الْوَصْفُ وُجِدَ الْحُكْمُ كَمَا رَتَّبَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى السَّوْمِ فِي قَوْلِهِ «فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: تَخْصِيصَهَا) ، أَيْ: قَصْرَهَا عَلَى الْمَحْكُومِ بِهِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ طَرَأَ إلَخْ) هَذَا قَوْلٌ رَابِعٌ يَرْجِعُ عِنْدَ قَائِلِهِ لِتَحْرِيرِ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَمَحَلُّهُ قَبْلَ قَوْلِهِ، وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَمْ يُسَمِّ الْمَحَلَّ بِالْأَوَّلِ إجْمَاعًا) ، أَيْ: حَقِيقَةً، بَلْ مَجَازًا اسْتِصْحَابًا وَعَلَيْهِ، فَالْخِلَافُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَمَنْ تَبِعَهُ نَاقِلِينَ لَهُ عَنْ الْآمِدِيِّ، وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ جَرَيَانُهُ فِيهِ؛ إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَرْقٌ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ مَعَ الْإِجْمَاعِ إنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِيَّاتِ الْآمِدِيِّ قَالَ فِي رَدِّهِ دَلِيلُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ الَّذِي لَا يَلْتَزِمُ الرَّادُّ فِيهِ مَذْهَبُهُ مَعَ أَمْرِهِ بِالنَّظَرِ، وَالِاعْتِبَارُ فِيهِ بَحْثٌ قَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الضَّارِبَ حَقِيقَةً مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الضَّرْبُ مُطْلَقًا، بَلْ مِنْ الضَّرْبِ حَاصِلٌ مِنْهُ حَالَ تَسْمِيَتِهِ ضَارٍ بِإِثْمٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَسْمِيَةُ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ كَفَرَةً، وَالْقَائِمِ قَاعِدًا، وَالْقَاعِدِ قَائِمًا لِمَا وُجِدَ مِنْهُ مِنْ الْكُفْرِ، وَالْقُعُودِ، وَالْقِيَامِ السَّابِقَاتِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ اللِّسَانِ، ثُمَّ قَالَ هَذَا مَا عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَلَيْك بِالنَّظَرِ، وَالِاعْتِبَارِ قُلْت نَظَرْت وَاعْتَبَرْت فَوَجَدْت أَنَّ الْحَقَّ جَرَيَانُ الْخِلَافِ مُطْلَقًا كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ فَقَطْ لِشَرَفِهِمْ مَعَ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ إطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَهُوَ عَارِضٌ؛ إذْ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ شَرْعًا، بَلْ فِيهِمَا صِنَاعَةٌ اهـ.

شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

(قَوْلُهُ: إذْ لَا يَظْهَرُ إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>