للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي كَلَام الشَّارِعِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَالْقَرَافِيِّ بِالْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، وَبِالسُّنَّةِ وَالتَّطَوُّعِ وَيُجَابُ بِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَا شَرْعِيَّةٌ، وَالشَّرْعِيَّةُ مَا وَضَعَهَا الشَّارِعُ كَمَا سَيَأْتِي.

(وَالْحَدُّ، وَالْمَحْدُودُ) أَيْ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ، وَالْإِنْسَانِ (وَنَحْوُ حَسَنٍ بِسِنٍّ) ، أَيْ: الِاسْمُ وَتَابِعُهُ كَعَطْشَانَ نَطْشَانَ (غَيْرِ مُتَرَادِفَيْنِ) ، أَيْ: غَيْرُ مُتَّحِدَيْ الْمَعْنَى (عَلَى الْأَصَحِّ) أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْحَدَّ يَدُلُّ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ تَفْصِيلًا، وَالْمَحْدُودَ - أَيْ: اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَيْهِ - يَدُلُّ عَلَيْهَا إجْمَالًا، وَالْمُفَصَّلُ غَيْرُ الْمُجْمَلِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُفِيدُ الْمَعْنَى بِدُونِ مَتْبُوعِهِ، وَمِنْ شَأْنِ كُلِّ مُتَرَادِفَيْنِ إفَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَعْنَى وَحْدَهُ، وَالْقَائِلُ بِالتَّرَادُفِ يَمْنَعُ ذَلِكَ (وَالْحَقُّ إفَادَةُ التَّابِعِ التَّقْوِيَةَ) لِلْمَتْبُوعِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ، وَالْعَرَبُ لِحِكْمَتِهَا لَا تَتَكَلَّمُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَمُقَابِلُ هَذَا

ــ

[حاشية العطار]

كَتَيَسُّرِ النُّطْقِ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا فِي بُرٍّ وَقَمْحٍ فِي حَقِّ الْأَلْثَغِ بِالرَّاءِ وَكَالْجِنَاسِ فَقَدْ يَقَعُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٤] فَإِنَّهُ يَقَعُ يَتَحَسَّبُونَ دُونَ يَظُنُّونَ، وَمِثْلُهُ رَحْبَةٌ رَحْبَةٌ وَلَوْ قِيلَ وَاسِعَةٌ فَاتَ الْجِنَاسُ.

وَفِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ لِلْمُخْتَصَرِ وَكَالْمُطَابَقَةِ، وَهِيَ ذِكْرُ مَعْنَيَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ؛ إذْ قَدْ يَحْصُلُ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْضُوعًا بِالِاشْتِرَاكِ لِمَعْنًى آخَرَ يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِهِ التَّقَابُلُ دُونَ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ خَسُّنَا خَيْرٌ مِنْ خَسِّكُمْ فَقَالَ خَسُّنَا خَيْرٌ مِنْ خِيَارِكُمْ فَوَقَعَ التَّقَابُلُ بَيْنَ الْخَسِّ، وَالْخِيَارِ بِوَجْهٍ وَوَقَعَ بَيْنَهُمَا الْمُنَاسَبَةُ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ إذْ الْخَسُّ قَدْ وُضِعَ لِلْبَقْلِ، وَالْخِيَارُ لِلْقِثَّاءِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ خَيْرٌ مِنْ قِثَّائِكُمْ لَمْ يَحْصُلْ التَّقَابُلُ بِهِ اهـ.

وَفِيهِ مِنْ اللَّطَافَةِ مَا يُدْرِكُهُ الذَّكِيُّ بِذَوْقِهِ.

(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مُنْتَفٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الِاحْتِيَاجِ عَدَمُ وُقُوعِهِ لِتَعَلُّقِ غَرَضٍ صَحِيحٍ بِهِ كَتَوَافُقِ الْفَوَاصِلِ، وَالتَّجْنِيسِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ وَارِدٌ عَلَى قَانُونِ الْبُلَغَاءِ.

(قَوْلُهُ: وَيُجَابُ بِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ) ، أَيْ: اصْطَلَحَ عَلَيْهَا أَهْلُ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَضَعَهَا الشَّارِعُ وَاعْتِرَاضُهُ النَّاصِرَ بِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ اسْتَعْمَلَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ عِنْدَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ سَدُّ بَابِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لَهَا الْجَزْمُ بِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا لِمَعْنًى وَاحِدٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فَارِقٌ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهَا لِمَعْنًى وَاحِدٍ مَا صَحَّ خِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَقَوْلُ سم إنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مَحْفُوظَةٌ عَنْ الشَّارِعِ فَفِيهِ أَنَّ غَايَةَ مَا وَقَعَ مِنْ الشَّارِعِ الِاسْتِعْمَالُ فَإِنْ قِيلَ الْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ قُلْنَا هُوَ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ فَيَلْزَمُ عَدَمُ الْمَجَازِ، وَإِنْ قِيلَ بِاحْتِمَالِهِ فَكَذَلِكَ، فَالتَّفْرِقَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ.

(قَوْلُهُ: فَلِأَنَّ الْحَدَّ) لَمْ يَقُلْ، أَيْ: اللَّفْظَ كَمَا فِي الْمَحْدُودِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْحَدِّ اللَّفْظُ بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ الْمَعْنَى.

(قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ إلَخْ) الِاخْتِلَافُ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ؛ إذْ الرَّسْمُ بِالْعَوَارِضِ، وَهِيَ غَيْرُ الْمَاهِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَفْصِيلًا لَهَا.

(قَوْلُهُ: لَا يُفِيدُ الْمَعْنَى) ، أَيْ: مَعْنَى مَتْبُوعِهِ بِدُونِهِ، بَلْ مَعَهُ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْ شَأْنِ كُلِّ مُتَرَادِفَيْنِ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ لَوْ قَالَ إفَادَتُهُ الْمَعْنَى لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ؛ إذْ لَا يُقَالُ شَأْنُ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا إفَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا، بَلْ إفَادَةُ إلَخْ اهـ.

يُرِيدُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِذِكْرِ كُلِّ الثَّانِيَةِ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ مَبْنَاهُ تَوَهَّمَ أَنَّ كِلَا الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ سَهْوٌ، بَلْ الْأُولَى عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْرَادِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَجْمُوعُ لَفْظَيْنِ مُتَّحِدَيْ الْمَعْنَى، وَالثَّانِيَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْرَادِ هِيَ اللَّفْظَانِ الْمَذْكُورَانِ، فَمَجْمُوعُ لَفْظِ الْإِنْسَانِ، وَالْبَشَرِ فَرْدٌ وَاحِدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْأُولَى، وَمَجْمُوعُ لَفْظِ الْقَمْحِ وَلَفْظِ الْبُرِّ فَرْدٌ آخَرُ مِنْ أَفْرَادِهَا، وَهَكَذَا لَفْظُ الْإِنْسَانِ وَحْدَهُ فَرْدٌ وَاحِدٌ، وَمِنْ أَفْرَادِ الثَّانِيَةِ لَفْظُ الْبَشَرِ وَحْدَهُ فَرْدٌ آخَرُ مِنْ أَفْرَادِهَا، وَهَكَذَا فَمَعْنَى عِبَارَتِهِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ كُلِّ مَجْمُوعَيْ لَفْظَيْنِ مُتَّحِدَيْ الْمَعْنَى إفَادَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِكَ اللَّفْظَيْنِ الْمَعْنَى وَحْدَهُ وَلَوْ قَالَ: وَمِنْ شَأْنِ كُلِّ مُتَرَادِفَيْنِ إفَادَتُهُ الْمَعْنَى وَحْدَهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ كَانَ مَعْنَاهُ إنَّ مِنْ شَأْنِ كُلِّ مَجْمُوعِ لَفْظَيْنِ مُتَّحِدَيْ الْمَعْنَى إفَادَتَهُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ الْمَعْنَى وَحْدَهُ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ الَّذِي هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ جُزْأَيْ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ يُفِيدُ الْمَعْنَى وَحْدَهُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: يَمْنَعُ ذَلِكَ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ، وَمِنْ شَأْنِ إلَخْ كَمَا صَنَعَ سم، وَهُوَ الظَّاهِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>