وَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ كَمَا حَمَلَ الشَّافِعِيُّ الْمُلَامَسَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ، وَالْوَطْءِ (وَمِنْ ثَمَّ) ، أَيْ: مِنْ هُنَا، وَهُوَ الصِّحَّةُ الرَّاجِحَةُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا، أَيْ: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (عَمَّ نَحْوُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ الْوَاجِبَ، وَالْمَنْدُوبَ) حَمْلًا لِصِيغَةِ افْعَلْ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ مِنْ الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ بِقَرِينَةِ كَوْنِ مُتَعَلِّقِهَا كَالْخَيْرِ شَامِلًا لِلْوَاجِبِ، وَالْمَنْدُوبِ (خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْوَاجِبِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ الْمَجَازُ مَعَ الْحَقِيقَةِ (وَمَنْ قَالَ) هُوَ (لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ) بَيْنَ الْوَاجِبِ، وَالْمَنْدُوبِ، أَيْ: مَطْلُوبِ الْفِعْلِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي أَنَّ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ
ــ
[حاشية العطار]
لِقَوْلِهِ، أَوْ حَقِيقَةً، وَمَجَازًا وَغَيْرِهِ عَائِدٌ لِقَوْلِهِ مَجَازًا.
(قَوْلُهُ: إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ إلَخْ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ هُوَ مَا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقُمْ بِأَنْ قَامَتْ عَلَى قَصْدِ الْحَقِيقَةِ وَحْدَهَا فَتُحْمَلُ عَلَيْهَا فَقَطْ، أَوْ عَلَى قَصْدِ الْمَجَازِ وَحْدَهُ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ فَقَطْ، أَوْ لَمْ يَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْمَجَازِ وَلَا انْتِفَاءَ فَتُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقَطْ، ثُمَّ إنَّ ذِكْرَ الْقَرِينَةِ فِي الْحَمْلِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَرِينَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ هُنَا خَاصَّةٌ، وَهِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ مَعَ غَيْرِهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْحَمْلِ لَا فِي الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّ الْمُشْتَرَطَ فِيهِ الْقَرِينَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَقَطْ، وَإِلَّا لَحُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ.
(قَوْلُهُ: كَمَا حَمَلَ الشَّافِعِيُّ) ، وَالْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى إرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ مُشَارَكَةُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّلَذُّذِ الْمُثِيرِ لِلشَّهْوَةِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ) الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ، وَالْوَطْءُ لِلَّذِي هُوَ مَجَازٌ، وَكَذَا حَمَلَ الصَّلَاةَ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] عَلَى الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] وَعَلَى مَوَاضِعِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] .
(قَوْلُهُ: الرَّاجِحَةُ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ لَامِ الْعَهْدِ فِي قَوْلِهِ الْخِلَافُ أَيْ الْمَعْهُودُ تَرْجِيحُهُ.
(قَوْلُهُ: عَمَّ نَحْوُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) ، أَيْ: عَمَّ نَحْوُ الْخَيْرِ فِي نَحْوِ وَافْعَلُوا الْخَيْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْوَاجِبَ، وَالْمَنْدُوبَ دُونَ قَوْلِهِ الْوُجُوبَ، وَالنَّدْبَ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ عَمَّ افْعَلُوا فِي نَحْوِ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ الْوَاجِبَ، وَالْمَنْدُوبَ، أَيْ: وُجُوبَ الْوَاجِبِ وَنَدْبَ الْمَنْدُوبِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ، وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُمُومَ مُسَبَّبٌ عَنْ حَمْلِ صِيغَةِ افْعَلْ عَلَى مَعْنَيَيْهَا مَعَ أَنَّ حَمْلَهَا عَلَى مَعْنَيَيْهَا مُسَبَّبٌ عَنْ الْعُمُومِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِقَرِينَةِ كَوْنِ مُتَعَلِّقِهَا كَالْخَيْرِ شَامِلًا إلَخْ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لِأَجْلِ مَا ذَكَرَ عَمَّ ذَلِكَ، أَيْ: حَكَمَ بِعُمُومِهِ لِأَجْلِ حَمْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَحَمْلُهَا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ لِأَجْلِ صَلَاحِيَّةِ نَحْوِ الْخَيْرِ لِلْعُمُومِ فَإِنَّهُ لَمَّا صَحَّ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ حَمَلْنَا هَذَا اللَّفْظَ عَلَى اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِقَرِينَةِ صَلَاحِيَّةِ لَفْظِ الْمُتَعَلِّقِ لِلْعُمُومِ فَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْعُمُومِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute