(مُطْلَقًا) قَالَا وَمَا يُظَنُّ مَجَازًا نَحْوُ رَأَيْت أَسَدًا يَرْمِي فَحَقِيقَةٌ (وَ) خِلَافًا (لِلظَّاهِرِيَّةِ) فِي نَفْيِهِمْ وُقُوعَهُ (فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) قَالُوا لِأَنَّهُ كَذِبٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ كَمَا فِي قَوْلِك فِي الْبَلِيدِ هَذَا حِمَارٌ وَكَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مُنَزَّهٌ عَنْ الْكَذِبِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا كَذِبَ مَعَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ وَهِيَ فِيمَا ذُكِرَ الْمُشَابَهَةُ فِي الصِّفَةِ الظَّاهِرَةِ
ــ
[حاشية العطار]
الشَّارِحُ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ الْأَوْجُهِ قَالَهُ الْكَمَالُ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَا يَتَخَرَّجُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لَا بِقَيْدِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
(قَوْلُهُ: فَحَقِيقَةٌ) إنْ اكْتَفَوْا فِي الْحَقِيقَةِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِعْمَالِ رَجَعَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَإِنْ أَرَادُوا اسْتِوَاءَ الْكُلِّ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَهَذَا مُرَاغَمَةٌ فِي الْحَقَائِقِ فَإِنَّ الْعَرَبَ مَا وَضَعَتْ اسْمَ الْحِمَارِ لِلْبَلِيدِ وَمَا أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَسْتَعْمِلْ لَفْظَ أَسَدٍ فِي الشُّجَاعِ مَثَلًا فَبَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ أَشْعَارَ الْعَرَبِ طَافِحَةٌ بِالْمَجَازَاتِ قَالُوا لَوْ وَقَعَ الْمَجَازُ لَلَزِمَ الْإِخْلَالُ بِالتَّفَاهُمِ إذْ قَدْ تَخْفَى الْقَرِينَةُ وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يُنْتِجُ امْتِنَاعَهُ بَلْ اسْتِبْعَادَ وُقُوعِهِ مَعَ أَنَّهُ وَاقِعٌ قَطْعًا وَبِالْجُمْلَةِ فَأَدِلَّةُ النَّافِي لَا تَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ) كَذِبٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ وَإِذَا صَحَّ نَفْيُهُ لَمْ يَصِحَّ إثْبَاتُهُ لِلتَّنَاقُضِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ التَّنَاقُضِ اتِّحَادُ الْجِهَةِ وَالنَّفْيُ وَارِدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْإِثْبَاتُ عَلَى الْمَجَازِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَذِبَ إنَّمَا يَجْرِي فِي الْمُرَكَّبِ الْخَبَرِيِّ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَجَازِ هُنَا الْمَجَازُ اللُّغَوِيُّ كَمَا يَقْتَضِيهِ اقْتِصَارُ الشَّارِحِ فِي التَّمْثِيلِ لَهُ أَشْكَلَ وَصْفُهُ بِالْكَذِبِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ وَإِنْ أُرِيدَ مُطْلَقُ الْمَجَازِ الشَّامِلِ اللُّغَوِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْعَضُدِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لَنَا عَلَى وُقُوعِ الْمَجَازِ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْأَسَدَ لِلشُّجَاعِ وَالْحِمَارَ لِلْبَلِيدِ وَشَابَتْ لَمَّةُ اللَّيْلِ وَقَامَتْ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ مِمَّا لَا يُحْصَى مَجَازَاتٌ اهـ.
فَالْوَصْفُ بِالْكَذِبِ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ وَلِلْمَجَازِ اللُّغَوِيِّ بِتَأْوِيلِ أَنَّ نِسْبَةَ الْكَذِبِ إلَيْهِ بَعْدَ اعْتِبَارِ نِسْبَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ أَوْ نِسْبَتِهِ إلَى شَيْءٍ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الدَّلِيلُ تَامَّ التَّقْرِيبِ وَعَلَى صَنِيعِ الشَّارِحِ يَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الْمُدَّعَى وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي تَمَامِيَّةِ التَّقْرِيبِ كَمَا بَيَّنَ فِي عِلْمِ الْآدَابِ وَإِنَّمَا قَصَرَ الشَّارِحُ الْكَلَامَ عَلَى الْمَجَازِ الْمُفْرَدِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ هُنَا وَإِنْ كَانَ يَرِدُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةٌ فِي تَخْصِيصِ مُدَّعَاهُمْ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ قَصَرَهُ عَلَى أَحَدِ الْفَرْدَيْنِ لِخَفَائِهِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ حَالُ الْفَرْدِ الثَّانِي.
فَإِنْ قُلْت إنَّمَا تَعَرَّضَ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَهُمْ الْعِصَامُ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الْفَرْقِ بِالِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ الَّتِي ذَكَرُوهَا تَجْرِي فِي الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ أَيْضًا قُلْت أَجَابَ مُنَجِّمٌ بَاشَا عَنْ اعْتِرَاضِهِ بِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ أَشَدُّ احْتِيَاجًا إلَى بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَذِبِ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ بِهِ مِنْ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ادِّعَاءِ اتِّحَادِ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ مَعَ مُغَايَرَتِهِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا عَيْنُ الْكَذِبِ لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّأْوِيلُ بِخِلَافِ الْمُرْسَلِ إذْ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الِادِّعَاءُ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الْبُعْدَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيِّ وَالْحَقِيقِيِّ فِي الِاسْتِعَارَةِ أَزْيَدُ مِنْ الْبُعْدِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُرْسَلِ لِأَنَّ عَلَاقَةَ الِاسْتِعَارَةِ ضَعِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَلَاقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ إذْ الْمُشَابَهَةُ أَضْعَفُ عَلَائِقِ الْمَجَازِ وَزِيَادَةُ الْبُعْدِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ تَقْتَضِي زِيَادَةَ الْمُشَابَهَةِ بِالْكَذِبِ اهـ.
ثُمَّ إنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ بِكَوْنِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إنْ كَانَ وَاقِعًا فِي كَلَامِ النَّافِي فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا فَعُذِرَ الشَّارِحُ فِي زِيَادَتِهِ أَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُرَادِهِمْ وَإِنْ أَطْلَقُوا إذْ لَا يُسَوَّغُ لَهُمْ دَعْوَى كَوْنِهِ كَذِبًا فِي الْحَقِيقَةِ فَيَرِدُ حِينَئِذٍ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ إذَا تَأَمَّلْت قَوْلَ الْمُجِيبِ مَعَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ وَقَوْلَ الْمُسْتَدِلِّ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَجَدْت الْجَوَابَ غَيْرَ مُلَاقٍ لِلدَّلِيلِ وَالْمُنَاسِبُ سَوْقُ الدَّلِيلِ مُجَرَّدًا عَنْ قَوْلِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ اهـ.
وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُلَاقَاةِ أَنَّ مَرْجِعَ الدَّلِيلِ لِقِيَاسٍ اقْتِرَانِيٍّ نَظْمُهُ هَكَذَا الْمَجَازُ كَذِبٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَرْجِعُ الْجَوَابِ نَمْنَعُ الصُّغْرَى فَنَفْيُ كَوْنِهِ كَذِبًا فِي الْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ مُفَادُهُ