للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ عَدَمِ الْفَهْمِ (وَإِنَّمَا يُعْدَلُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَجَازِ عَنْ الْحَقِيقَةِ الْأَصْلِ (لِثِقَلِ الْحَقِيقَةِ) عَلَى اللِّسَانِ كَالْخِنْفِقِيقِ اسْمٌ لِلدَّاهِيَةِ يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى الْمَوْتِ مَثَلًا (أَوْ بَشَاعَتِهَا) كَالْخِرَاءَةِ يُعْدَلُ عَنْهَا إلَى الْغَائِطِ وَحَقِيقَتُهُ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ (أَوْ جَهْلِهَا) لِلْمُتَكَلِّمِ أَوْ

ــ

[حاشية العطار]

تَبْقَى مَعَهُ الصُّغْرَى عَلَى حَالِهَا وَهُوَ أَنَّهُ كَذِبٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ سم أَنَّ إيهَامَ الْكَذِبِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ لِاقْتِضَائِهِ بَقَاءَ الدَّلِيلِ سَالِمًا عَنْ الْمَنْعِ فَيَتِمُّ نَعَمْ قَوْلُ النَّاصِرِ: الْمُنَاسِبُ سَوْقُ الدَّلِيلِ مُجَرَّدًا عَنْ قَوْلِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْته مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُخَاطَبَ الَّذِي يُلْقَى إلَيْهِ الْمَجَازُ هُوَ الْمُتَفَطِّنُ الْعَارِفُ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ وَوُجُوهِ اعْتِبَارَاتِهِ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ إذَا خُوطِبَ بِالْمَجَازِ مُحْتَفًّا بِقَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ فَهِمَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَلَا يَتَبَادَرُ ذِهْنُهُ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَصْلًا فَلَا كَذِبَ فِي الْمَجَازِ أَصْلًا لَا بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ وَلَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَيُذْكَرُ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ نَوَادِرُ كَثِيرَةٌ تَقْضِي بِأَنَّ الْعَرَبَ الْخُلَّصَ وَصَلُوا إلَى غَايَةٍ مِنْ الْفَطِنَةِ فِي أَسَالِيبِ الْكَلَامِ وَسُرْعَةِ الْبَدِيهَةِ مَا وَصَلَ إلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأُمَمِ سِوَاهُمْ.

مِنْ ذَلِكَ مَا حُكِيَ أَنَّ مُهَلْهَلًا كَانَ فِي سَفَرٍ مَعَ عَبْدَيْنِ لَهُ فَفَهِمَ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا يُرِيدَانِ اغْتِيَالَهُ فَأَوْصَاهُمَا إذَا وَرَدَا الْحَيَّ أَنْ يُنْشِدَا هَذَا الشِّعْرَ:

مَنْ يُخْبِرُ الْبِنْتَيْنِ أَنَّ مُهَلْهَلًا ... بِاَللَّهِ رَبِّكُمَا وَرَبِّ أَبِيكُمَا

فَاتَّفَقَ أَنْ قَتَلَاهُ وَوَصَلَا لِلْحَيِّ فَسُئِلَا عَنْهُ فَقَالَا مَاتَ فَقِيلَ وَهَلْ أَوْصَى بِشَيْءٍ قَالَا نَعَمْ أَوْصَى بِأَنْ نُنْشِدَ هَذَا الشِّعْرَ فَقِيلَ إنَّ لِهَذَا الشِّعْرِ بَقِيَّةٌ وَإِنَّكُمَا قَتَلْتُمَاهُ فَأَقَرَّا بِذَلِكَ وَأَنْشَدَ الْبِنْتَانِ هَذَا الشِّعْرَ بِحَسَبِ سَلِيقَتِهِمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ

مَنْ يُخْبِرُ الْبِنْتَيْنِ أَنَّ مُهَلْهَلًا ... أَضْحَى قَتِيلًا بِالْفَلَاةِ مُجَنْدَلَا

بِاَللَّهِ رَبِّكُمَا وَرَبِّ أَبِيكُمَا ... لَا تَتْرُكَا الْعَبْدَيْنِ حَتَّى يُقْتَلَا

فَقُتِلَ الْعَبْدَانِ فَانْظُرْ كَيْفَ اهْتَدَيَا بِصَفَاءِ أَذْهَانِهِمَا بِالْكَلَامِ مُطْوًى لَمْ يُرْمَزْ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فَمَا ظَنُّك لِكَلَامِ مُحْتَفٍّ بِالْقَرَائِنِ فَظَهَرَ لَك بِهَذَا صِدْقُ مَا ادَّعَيْنَاهُ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى الشَّارِحِ مَا أَوْرَدَهُ النَّاصِرُ أَنَّ الْكَذِبَ لَازِمٌ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَارْتِفَاعُهُ إنَّمَا هُوَ بِإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَالدَّالُّ عَلَيْهَا هُوَ الْقَرِينَةُ فَانْتِفَاءُ الْكَذِبِ لِأَجْلِ وُجُودِ الْقَرِينَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَا لِأَجْلِ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ اهـ.

وَهُوَ وَجِيهٌ إذْ قَدْ صَرَّحَ بِهِ الْبَيَانِيُّونَ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ يُؤَوِّلُ كَلَامُهُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ الظَّاهِرِ وَيَنْصِبُ قَرِينَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِمُرَادٍ لَهُ بِخِلَافِ الْكَاذِبِ فَإِنَّهُ يَدَّعِي الظَّاهِرَ وَيُرِيدُهُ وَيَصْرِفُ هِمَّتَهُ عَلَى إثْبَاتِهِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَا أَجَابَ بِهِ سم بِأَنَّ الْمُحَقِّقَ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الدَّافِعِ لِلْكَذِبِ فِي الْوَاقِعِ إنَّمَا هُوَ اعْتِبَارُ الْعَلَاقَةِ.

وَأَمَّا الْقَرِينَةُ فَإِنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ الِانْتِفَاءِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ إنَّمَا يُنَاسِبُ التَّعَرُّضَ لِنَفْيِ الْكَذِبِ فِي الْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ مَسَاقُ كَلَامِ الْمُجِيبِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْخَصْمَ إنَّمَا يَدَّعِي الْكَذِبَ ظَاهِرًا، وَجَوَابُ الشَّارِحِ لَا يُلَاقِي دَلِيلَهُ وَأَنَّ النَّافِيَ لِلْكَذِبِ ظَاهِرًا هُوَ نَصْبُ الْقَرِينَةِ إذْ لَوْلَاهَا لَتَبَادَرَ الذِّهْنُ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَيَجِيءُ الْكَذِبُ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: أَيْ عَدَمِ الْفَهْمِ) قَالَ سم وَجْهُ كَوْنِهِ صِفَةً ظَاهِرَةً أَنَّهُ مِمَّا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ بِالْمُخَاطَبَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ عَدَمَ الْفَهْمِ يَظْهَرُ بِمُخَاطَبَةِ صَاحِبهِ ظُهُورًا تَامًّا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُجَرِّبِ اهـ.

وَأَرَادَ بِنَحْوِ الْمُخَاطَبَةِ تَرْكِيبَ الشَّكْلِ وَالسَّجِيَّةِ فَقَدْ ذَكَرُوا فِي كُتُبِ الْفِرَاسَةِ عَلَامَاتٍ فِي الْأَشْخَاصِ ظَاهِرَةً تَدُلُّ عَلَى أَخْلَاقٍ بَاطِنَةٍ مَنْ أَحَاطَ بِتِلْكَ الْعَلَامَاتِ خُبْرًا اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى صِحَّةِ مَا قَالُوهُ وَكُنْت ظَفِرْت بِنُبْذَةٍ مِنْ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشِّيرَازِيِّ عَلَى الْقَانُونِ ذَكَرْت بَعْضَهَا مِنْهَا فِي شَرْحِي عَلَى نُزْهَةِ الْأَذْهَانِ فِي عِلْمِ الطِّبِّ.

(قَوْلُهُ: الْأَصْلِ) بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِلْحَقِيقَةِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لِأَنَّ الْمَجَازِ ابْتَنَى عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ سَبْقِ وَضْعِهَا أَوْ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ.

(قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ كَالنَّائِبَةِ وَالْحَادِثَةِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ جَهْلِهَا لِلْمُتَكَلِّمِ) أَيْ مَعَ عِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِهَا وَالْمُرَادُ بِالْعُدُولِ عَدَمُ الْإِتْيَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>