عَلَى الْحَقِيقَةِ أَيْ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَّا وَيَشْتَمِلُ فِي الْغَالِبِ عَلَى مَجَازٍ تَقُولُ مَثَلًا رَأَيْت زَيْدًا وَضَرَبْته وَالْمَرْئِيُّ وَالْمَضْرُوبُ بَعْضُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ كُلُّهُ وَلَا مُعْتَمَدًا حَيْثُ تَسْتَحِيلُ الْحَقِيقَةُ
ــ
[حاشية العطار]
اسْتِغْرَاقِيَّةٌ وَإِنْ عَلَى بِمَعْنَى فِي وَيُمْكِنُ بَقَاؤُهَا عَلَى حَالِهَا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ فِي اللُّغَاتِ صَارَ غَالِبًا عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْحَقِيقَةِ) أَيْ عَلَى الْكَلِمَاتِ الْمَوْضُوعَةِ لِمَعَانٍ وَضْعًا أَوَّلِيًّا أَيْ إنَّ أَكْثَرَهَا اُسْتُعْمِلَ فِي مَعَانٍ مَجَازِيَّةٍ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَخْ) قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْمَجَازُ لَا الْحَقِيقَةُ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِكَلَامِ الْفُصَحَاءِ وَالْبُلَغَاءِ فِي نَظْمِهِمْ وَنَثْرِهِمْ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا تَشْبِيهَاتٌ وَاسْتِعَارَاتٌ وَكِنَايَاتٌ وَإِسْنَادَاتُ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إلَى مَنْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِذَلِكَ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالدَّهْرِ وَالْأَطْلَالِ وَالزَّمَنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَجَوُّزٌ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِعْمَالِ الْمَعْلُومِ فَكَذَلِكَ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ سَافَرْت الْبِلَادَ وَرَأَيْت الْعِبَادَ وَلَبِسْت الثِّيَابَ وَمَلَكْت الْعَبِيدَ مَعَ أَنَّهُ مَا سَافَرَ كُلَّهَا وَلَا رَأَى كُلَّهُمْ وَمَا لَبِسَ كُلَّ الثِّيَابِ وَلَا مَلَكَ كُلَّ الْعَبِيدِ وَكَذَلِكَ تَقُولُ ضَرَبْت زَيْدًا مَعَ أَنَّك مَا ضَرَبْت إلَّا جُزْءًا مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ طَابَ الْهَوَاءُ وَبَرَدَ الْمَاءُ وَمَاتَ زَيْدٌ وَمَرِضَ عَمْرٌو بَلْ إسْنَادُ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ كُلِّهَا إلَى الْحَيَوَانَاتِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَجَازٌ لِأَنَّ فَاعِلَهَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِسْنَادُهَا إلَى غَيْرِهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ اهـ.
وَفِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ قَوْلَهُ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَخْ لَا يُوفِي بِمُدَّعَى ابْنِ جِنِّي مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ غَالِبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِصِدْقِهِ بِمُسَاوَاتِهَا اهـ.
وَهُوَ غَيْرُ وَارِدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَّا وَهُوَ فِي أَكْثَرِ اسْتِعْمَالَاتِهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مُشْتَمِلٌ فِي الْغَالِبِ عَلَى مَجَازٍ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ فِي أَكْثَرِ اسْتِعْمَالَاتِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا أَكْثَرَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ حَقِيقَةً.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَجَازٍ) أَيْ تَجَوُّزًا وَمَعْنَى مَجَازِيٍّ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَرْئِيُّ وَالْمَضْرُوبُ إلَخْ) فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ وَالْمَجَازُ الَّذِي لَا يَدْخُلُ الْأَعْلَامَ مَجَازُ الِاسْتِعَارَةِ وَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَالْحَقُّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تَنْبَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمُضَايَقَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِغْرَاقُ الْفِعْلِ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَفْعُولِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَضْعًا فِي الْفِعْلِ هُوَ نِسْبَةُ إيقَاعِ الْحَدَثِ عَلَى الْمَفْعُولِ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَمَّهُ أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَلَا تَجَوُّزَ أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ كُلُّهُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ اشْتِمَالُ ضَرَبْت زَيْدًا عَلَى الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَضْرُوبَ بَعْضُهُ لَا كُلُّهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نِسْبَةِ التَّأَلُّمِ الَّذِي هُوَ إحْسَاسُ الْجِسْمِ بِالْآلَةِ لَا فِي نِسْبَةِ التَّأَلُّمِ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْإِحْسَاسِ (قَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَمَدًا) أَيْ مُعَوَّلًا عَلَيْهِ فِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْحَقِيقَةِ مِنْ قَرَائِنِ الْمَجَازِ فَلَا يُقَالُ إنَّ الِاسْتِحَالَةَ مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَجَازِ فَكَيْفَ يَكُونُ غَيْرَ مُعْتَمَدٍ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَيْ فَرْعٌ لَهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الرَّاجِحُ الْمُقَدَّمُ فِي الِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ