كَذَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ «رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ» وَفِي رِوَايَةٍ وَلَوْ بِظِلْفٍ وَالْمُرَادُ الرَّدُّ بِالْإِعْطَاءِ وَالْمَعْنَى تَصَدَّقُوا بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ كَبِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ وَلَوْ بَلَغَ فِي الْقِلَّةِ الظِّلْفَ مَثَلًا فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الْعَدَمِ وَهُوَ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَالْحَافِرِ لِلْفَرَسِ وَالْخُفِّ لِلْجَمَلِ وَقُيِّدَ بِالْإِحْرَاقِ أَيْ الشَّيْء كَمَا هُوَ عَادَتُهُمْ فِيهِ لِأَنَّ النِّيء قَدْ لَا يُؤْخَذُ وَقَدْ يَرْمِيهِ آخِذُهُ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِخِلَافِ الْمَشْوِيِّ.
(الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ لَنْ حَرْفُ نَفْيٍ وَنَصْبٍ وَاسْتِقْبَالٍ) لِلْمُضَارِعِ (وَلَا تُفِيدُ تَوْكِيدَ النَّفْيِ وَلَا تَأْبِيدَهُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ) أَيْ زَعَمَ إفَادَتَهَا مَا ذُكِرَ كَالزَّمَخْشَرِيِّ قَالَ فِي الْمُفَصَّلِ كَالْكَشَّافِ هِيَ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ.
وَفِي الْأُنْمُوذَجِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ التَّأْكِيدُ، وَالتَّأْبِيدُ نِهَايَةُ التَّأْكِيدِ وَهُوَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ النَّفْيَ قَالَ فِي الْكَشَّافِ مُفَرِّقًا فَقَوْلُك لَنْ أُقِيمَ مُؤَكَّدٌ بِخِلَافِ لَا أُقِيمُ كَمَا فِي إنِّي مُقِيمٌ وَأَنَا مُقِيمٌ وَقَوْلُهُ فِي شَيْءٍ لَنْ أَفْعَلَهُ مُؤَكَّدٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ كَقَوْلِك لَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا وَالْمَعْنَى أَنَّ فِعْلَهُ يُنَافِي حَالِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [الحج: ٧٣] أَيْ خَلْقُهُ مِنْ الْأَصْنَامِ مُسْتَحِيلٌ مُنَافٍ لِأَحْوَالِهِمْ اهـ.
وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ زَعَمَهُ تَضْعِيفٌ لَهُ لِمَا قَالَ غَيْرُهُ إنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَاسْتِفَادَةُ التَّأْبِيدِ فِي آيَةِ الذُّبَابِ وَغَيْرِهَا {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: ٤٧] مِنْ خَارِجٍ كَمَا فِي {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: ٩٥] وَكَوْنُ أَبَدًا فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا قِيلَ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
وَقَدْ نُقِلَ التَّأْبِيدُ عَنْ غَيْرِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَوَافَقَهُ فِي التَّأْكِيدِ كَثِيرٌ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ مَنْعَهُ مُكَابَرَةٌ وَلَا تَأْبِيدَ قَطْعًا فِيمَا إذَا قُيِّدَ النَّفْيُ نَحْوُ {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: ٢٦] (وَتَرِدُ لِلدُّعَاءِ وِفَاقًا لِابْنِ عُصْفُورٍ) كَقَوْلِهِ
لَنْ تَزَالُوا كَذَلِكُمْ ثُمَّ لَا زِلْ ... تُ لَكُمْ خَالِدًا خُلُودَ الْجِبَالِ
وَابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ وَقَالُوا وَلَا حُجَّةَ فِي الْبَيْتِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَفِيهِ بُعْدٌ.
(الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ مَا تَرِدُ اسْمِيَّةً وَحَرْفِيَّةً) فَالِاسْمِيَّةُ تَرِدُ (مَوْصُولَةً) نَحْوُ {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: ٩٦] أَيْ الَّذِي (وَنَكِرَةً
ــ
[حاشية العطار]
إلَى أَنَّ كَوْنَ لَوْ لِلتَّمَنِّي فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ نِزَاعٌ وَلَا دَلِيلَ فِي نَصْبِ فَيَكُونُ عَلَى ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ النَّصْبَ بِالْعَطْفِ عَلَى كَرَّةٍ عَلَى حَدِّ وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي وَلَكِنَّ التَّمَنِّيَ هُوَ أَقْرَبُ وَأَظْهَرُ.
(قَوْلُهُ: فِي الْقِلَّةِ) قَدْ يَدَّعِي أَنَّ التَّعْلِيلَ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ مَدْخُولِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَفٌّ يُشْعِرُ بِالتَّقْلِيلِ
(قَوْلُهُ: لِلْمُضَارِعِ) أَيْ لِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ فَالنَّصْبُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ وَالنَّفْيُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ التَّضَمُّنِيِّ وَهُوَ الْحَدَثُ وَالِاسْتِقْبَالُ بِاعْتِبَارِ زَمَانِهِ فَالْمُضَارِعُ مُرْتَبِطٌ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ) إشَارَةً إلَى أَنَّهُ أَفْرَدَ بِاعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّأْبِيدُ نِهَايَةٌ) أَيْ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ) يَعْنِي أَنَّ التَّأْبِيدَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ النَّفْيَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِزَمَنٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُنَافِي التَّأْبِيدَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: ٢٦] فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِلتَّأْبِيدِ قَطْعًا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ لَكِنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ وَهُوَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ النَّفْيَ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ نَفْيَ لَنْ بِالتَّأْبِيدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: ٩٥] تَكُونُ لِلتَّأْبِيدِ قَطْعًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُفِيدَ لِلتَّأْبِيدِ فِي الْآيَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى الرَّاجِحِ لَفْظُ أَبَدًا وَعِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ التَّأْبِيدُ مُسْتَفَادٌ مِنْ لَنْ وَلَفْظَةُ أَبَدًا تَأْكِيدٌ.
(قَوْلُهُ: مُفَرِّقًا) بِالْكَسْرِ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي قَالَ (قَوْلُهُ: لَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا) فَإِنَّ التَّأْبِيدَ يَلْزَمُهُ التَّأْكِيدُ.
(قَوْلُهُ: يُنَافِي حَالِي) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّفْيَ بِلَنْ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ نَفْيِ الْوُقُوعِ بَلْ مَعَ نَفْيِ اللِّيَاقَةِ عَنْ غَيْرِ الزَّمَخْشَرِيِّ كَابْنِ عَطِيَّةَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] لَوْ أَبْقَيْنَاهُ عَلَى هَذَا النَّفْيِ بِمُجَرَّدِهِ لَتَضَمَّنَ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَرَاهُ أَبَدًا وَلَا فِي الْآخِرَةِ لَكِنْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اهـ.
وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ التَّأْبِيدُ مَوْضُوعَهَا لُغَةً وَلَا يَكُونُ مُسْتَفَادًا مِنْ كَوْنِ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ بَعْدَهَا فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَيْ لَا يَقَعُ مِنْك رُؤْيَةٌ لِي فَيَعُمُّ النَّفْيُ كُلَّ رُؤْيَةٍ مَا لَمْ يَرِدْ مَا يُخَصِّصُهُ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ ابْنِ عَطِيَّةَ قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْبِنَاءُ عَلَى الِاعْتِزَالِ مِنْ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ قَائِلٌ بِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى أَنَّهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى تَخْصِيصِهِ.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ بُعْدٌ) أَيْ مَعْنًى وَصِنَاعَةً أَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ مَجْهُولٌ فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ