بِاللَّفْظِ عَلَى الطَّلَبِ) فَإِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَمْرًا لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الطَّلَبِ كَالتَّهْدِيدِ وَلَا مُمَيِّزَ سِوَى الْإِرَادَةِ قُلْنَا اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الطَّلَبِ مَجَازِيٌّ بِخِلَافِ الطَّلَبِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ إرَادَتِهِ (وَالطَّلَبُ بَدِيهِيٌّ) أَيْ مُتَصَوَّرٌ بِمُجَرَّدِ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يُفَرِّقُ بِالْبَدِيهَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالْإِخْبَارِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِبَدَاهَتِهِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ تَعْرِيفَ الْأَمْرِ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ تَعْرِيفٌ بِالْأَخْفَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِطْرِيٌّ (وَالْأَمْرُ) الْمَحْدُودُ بِاقْتِضَاءِ فِعْلٍ إلَخْ (غَيْرُ الْإِرَادَةِ) لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِالْإِيمَانِ وَلَمْ يُرِدْهُ مِنْهُ لِامْتِنَاعِهِ (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فِيمَا ذُكِرَ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ إنْكَارُ الِاقْتِضَاءِ الْمَحْدُودِ بِهِ الْأَمْرُ قَالُوا إنَّهُ الْإِرَادَةُ
(مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ)
ــ
[حاشية العطار]
الدَّلَالَةِ بِإِرَادَةِ الِامْتِثَالِ لَتَطَابَقَ الْكَلَامَانِ وَتَمَّ الِاعْتِذَارُ تَأَمَّلْ.
وَفِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ قِيلَ مَا أَنْكَرْتُمُوهُ مِنْهُمْ يَلْزَمُكُمْ مِثْلُهُ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ الْأَمْرِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ فَقَدْ يَلْفِظُ اللَّافِظُ بِقَوْلِهِ افْعَلْ وَهُوَ يَبْقَى حِكَايَةً.
وَقَدْ يَلْفِظُ وَهُوَ يَنْتَحِي تَعْبِيرًا عَنْ الْأَمْرِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ فَكَيْفَ يَقَعُ اللَّفْظُ عِبَارَةً عَنْ الْأَمْرِ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ جَائِزَيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِإِرَادَةٍ فَبِمَ يَصِيرُ اللَّفْظُ عِبَارَةً عَنْ الْأَمْرِ قُلْنَا الْمَسْلَكُ الْحَقُّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَصْدٍ إلَى إيقَاعِ اللَّفْظِ مُشْعِرًا بِالْأَمْرِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِلَّفْظِ فِيهِ صِيغَةٌ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْإِشْعَارُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَلَوْ هُدِيَ الْمُعْتَزِلَةُ لِذَلِكَ لَمَا ارْتَبَكُوا فِي مَذَاهِبِهِمْ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الطَّلَبِ) أَيْ الْإِرَادَةِ وَإِلَّا فَهُمْ يُنْكِرُونَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ يَكْفِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْإِرَادَةِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَخْ) أَيْ يَكْفِي أَنَّ الصِّيغَةَ إذَا أُطْلِقَتْ تَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الصِّيغَةِ فِي التَّهْدِيدِ مَجَازٌ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ بَدَاهَةَ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ إنَّمَا تُفِيدُ بَدَاهَةَ التَّصَوُّرِ وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ بَدَاهَةَ الْحَقِيقَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَعْلُومًا بِكُنْهِ الْحَقِيقَةِ.
(قَوْلُهُ: بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الطَّلَبِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِلَفْظِهِ كَمَا فِي تَعْرِيفِ أَبِي عَلِيٍّ وَابْنِهِ أَوْ بِالِاقْتِضَاءِ كَمَا فِي تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ مَنْعُ كَوْنِ الطَّلَبِ أَخْفَى بَلْ مَنْعُ كَوْنِهِ نَظَرِيًّا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنَّهُ بَدِيهِيٌّ.
(قَوْلُهُ: تَعْرِيفُ بِالْأَخْفَى) فِيهِ أَنَّ النَّظَرِيَّةَ لَا تُفِيدُ كَوْنَهُ أَخْفَى مِنْ الْأَمْرِ إذْ غَايَةُ مَا تُفِيدُ خَفَاءَهُ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِالْخَفِيِّ أَوْ الْمَجْهُولِ.
(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الطَّلَبَ نَظَرِيٌّ (قَوْلُهُ: أَمْرُ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ) وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ حِينَئِذٍ لِإِظْهَارِ الشَّقَاوَةِ السَّابِقَةِ لَهُ وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ.
(قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِهِ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِامْتِنَاعِ الْعَدَمُ أَيْ وَلَوْ أَرَادَهُ لَوُجِدَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَعْنَى لِكَوْنِهِ مُمْتَنِعَ الْحُصُولِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِرَادَةُ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِعَدَمِهِ وَأَيْضًا قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ عَدَمِ إيمَانِ أَبِي لَهَبٍ فَيَكُونُ مَعْلُومَ اللَّا وُقُوعِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مَعَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِهِ فَلَا يَكُونُ الطَّلَبُ عَيْنَ الْإِرَادَةِ لَكِنْ قَالَ الْفَنَارِيُّ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ وَإِبْطَالُ مَذْهَبِهِمْ بِلُزُومِ وُقُوعِ الْمَأْمُورَاتِ لَا يَلْزَمُهُمْ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ عِنْدَهُمْ مَيْلٌ يَتْبَعُ اعْتِقَادَ النَّفْعِ أَوْ دَفْعَ الضَّرَرِ فَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى لِسُوءِ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ لَا الصِّفَةِ الْمُخَصَّصَةِ بِالْوُقُوعِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ فَسَادُ الِاسْتِدْلَالِ بِنَحْوِ إيمَانِ أَبِي لَهَبٍ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ مُرَادُ اللَّهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُؤْمِنُونَ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ بِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ فَكَيْفَ يُرِيدُهُ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ عَلَى مَا فَسَّرُوهُ لَا تُنَافِي الْعِلْمَ بِاللَّاوُقُوعِ.
(قَوْلُهُ: قَالُوا إنَّهُ الْإِرَادَةُ) رُدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ قَوْلَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ افْعَلْ كَذَا بِحَضْرَةِ سُلْطَانٍ تَوَعَّدَهُ بِالْإِهْلَاكِ عَلَى ضَرْبِهِ لِيَعْصِيَهُ فَيَخْلُصُ أَمْرٌ وَإِلَّا لَمْ يَظْهَرْ عُذْرُهُ وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ وَلَا يُرِيدُ مَا يُفْضِي إلَى هَلَاكِهِ لَكِنْ قَدْ يَطْلُبُ إذَا عَلِمَ أَنَّ طَلَبَهُ لَا يُفْضِي