للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَنَا أَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ خُصَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] الْأَمَةُ فَعَلَيْهَا نِصْفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] وَالْعَبْدُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَةِ النِّصْفُ أَيْضًا.

(وَ) يَجُوزُ التَّخْصِيصُ (بِالْفَحْوَى) أَيْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَإِنْ قُلْنَا: الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قِيَاسِيَّةٌ بِأَنْ يُقَالَ: مَنْ أَسَاءَ إلَيْك فَعَاقِبْهُ، ثُمَّ يُقَالَ: إنْ أَسَاءَ لَك زَيْدٌ فَلَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ (وَكَذَا دَلِيلُ الْخِطَابِ) أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ (فِي الْأَرْجَحِ) وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ بِالْمَنْطُوقِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِ مَنْطُوقٌ خَاصٌّ لَا مَا هُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَالْمَفْهُومُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَقَدْ خَصَّ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُنَا: لَنَا أَنَّ إعْمَالَ إلَخْ) تَمَامُ تَقْرِيرِهِ أَنْ يُقَالَ: لَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَارَضَ مِثْلَهُ، وَفِي تَخْصِيصِهِ بِهِ إعْمَالُ الدَّلِيلَيْنِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إلْقَاءِ أَحَدِهِمَا

(قَوْلُهُ: وَقَدْ خُصَّ مِنْ قَوْلِهِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: ٢] إلَخْ قَالَ سم هَذَا لَا يَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى ابْنِ أَبَانَ وَالْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ إذَا خُصَّ الْعَامُّ بِتَخْصِيصٍ آخَرَ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ نَعَمْ يَصْلُحُ التَّخْصِيصُ فِي الْآيَةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ الرَّازِيّ حَيْثُ مَنَعَ مُطْلَقًا وَعَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ حَيْثُ تَوَقَّفَ قَوْلُهُ: {مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: ٢٥] أَيْ الْحَرَائِرِ الْأَبْكَارِ (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ) لَعَلَّ الْخَصْمَ لَا يُسَلِّمُ ذَلِكَ، وَثَبَتَ حُكْمُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ هَذَا الْقِيَاسِ

(قَوْلُهُ: وَبِالْفَحْوَى) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ نَفْسِ الْفَحْوَى إذَا لَمْ يَعُدْ التَّخْصِيصُ فِيهِ بِالنَّقْضِ عَلَى الْمَلْفُوظِ مِثْلَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ الدَّالِّ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَيُخَصُّ بِمَا إذَا لَمْ تَفْجُرْ الْأُمُّ مَثَلًا، وَيَرْتَدَّ الْأَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ عَلَى أَصْلِهِ بِالنَّقْضِ فَلَا يَجُوزُ مِثْلُ أَنْ يُبَاحَ ضَرْبُ الْوَالِدَيْنِ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مَعَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ، وَكَذَا مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى ثُبُوتِ مِثْلِ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ كَمَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ إلَخْ) لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ قِيَاسِيَّةٍ، وَإِلَّا تَكَرَّرَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا دَلِيلُ الْخِطَابِ فِي الْأَرْجَحِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْفَحْوَى، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الشَّرْحِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ دَلِيلَ مُقَابِلِ الْأَرْجَحِ فِي دَلِيلِ الْخِطَابِ جَارٍ هُنَا فَيَنْبَغِي جَرَيَانُ ذَلِكَ الْمُقَابِلِ هُنَا وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرِّقُوا بِأَنَّ الْفَحْوَى أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَرَى فِيهَا قَوْلٌ: إنَّهَا مَنْطُوقٌ كَمَا سَبَقَ فَهِيَ إمَّا مَنْطُوقٌ أَوْ فِي حُكْمِهِ لِفَوْتِهَا؛ فَلِهَذَا لَمْ يَجْرِ فِيهَا هَذَا الْمُقَابِلُ تَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ) أَيْ عَلَى الْفَرْدِ، وَهُوَ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومٌ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمُقَدَّمَ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ) أَيْ بِأَنَّ الْمَنْطُوقَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ، وَهُمَا الْمَفْهُومُ وَالْعَامُّ) أَيْ مَفْهُومُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ وَالْعَامُّ، وَهُوَ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا) وَهُوَ الْمَفْهُومُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ خَصَّ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ) أَيْ خَصَّ عُمُومَ الْمَاءِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي.

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ كَذَا مَثَّلَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا أَنَّ الْكُلَّ مَثَّلُوا بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَارٍ عِنْدِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِيثَيْنِ عَامٌّ عَلَى وَجْهٍ وَخَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَالْأَوَّلُ عَامٌّ مِنْ جِهَةِ حَمْلِ الْخَبَثِ، وَهُوَ التَّنَجُّسُ فِيمَا تَغَيَّرَ وَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَخَاصٌّ مِنْ جِهَةِ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَالثَّانِي عَامٌّ مِنْ حَيْثُ الْقُلَّتَانِ وَدُونَهُمَا، وَخَاصٌّ مِنْ حَيْثُ التَّقْيِيدُ بِالتَّغَيُّرِ، وَلَيْسَ تَخْصِيصُ عُمُومِ أَحَدِهِمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَيُوقَفُ حَتَّى يُرَجَّحَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِدَلِيلٍ وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِهِ هُوَ الثَّانِي هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>