مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ عَلَيْهِمْ، وَالْمُخَصِّصُ فِي الْحَقِيقَةِ التَّقْرِيرُ أَوْ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ بِخِلَافِ مَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الشَّرْعِ، وَهَذَا تَوَسُّطٌ لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ بَيْنَ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ التَّخْصِيصَ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا إجْمَاعٌ فِعْلِيٌّ، وَبَعْضِهِمْ عَدَمَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ فِعْلَ النَّاسِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعَامَّ لَا يُقْصَرُ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَلَا عَلَى مَا وَرَاءَهُ) أَيْ وَرَاءَ الْمُعْتَادِ (بَلْ تُطْرَحُ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِّ فِي الثَّانِي.
(الْعَادَةُ السَّابِقَةُ) عَلَيْهِ فَيَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ، وَقِيلَ: يُقْصَرُ عَلَى مَا ذُكِرَ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانَ عَادَتُهُمْ تَنَاوُلَ الْبُرِّ ثُمَّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَقِيلَ: يُقْصَرُ الطَّعَامُ عَلَى الْبُرِّ الْمُعْتَادِ، وَالثَّانِي كَمَا لَوْ كَانَ عَادَتُهُمْ بَيْعَ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَفَاضِلًا ثُمَّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَقِيلَ: يُقْصَرُ الطَّعَامُ عَلَى غَيْرِ الْبُرِّ الْمُعْتَادِ، وَالْأَصَحُّ لَا فِيهِمَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نَحْوَ) قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ لَفْظٌ لَا يُعْرَفُ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجِوَارِ» وَهُوَ مُرْسَلٌ (لَا يَعُمُّ) كُلَّ جَارٍ وَنَحْوَهُ (وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ) وَقِيلَ: يَعُمُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ عَدْلٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ وَالْمَعْنَى فَلَوْلَا ظُهُورُ عُمُومِ الْحُكْمِ مِمَّا صَدَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[حاشية العطار]
وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُجْتَهِدِينَ؛ إذْ لَوْ فَعَلَهَا جَمِيعُ النَّاسِ، أَوْ الْمُجْتَهِدُونَ كَانَ إجْمَاعًا بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِالتَّقْرِيرِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُهُ بَعْدُ أَوْ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى لَا الْمُقَابِلَ لِلْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ كُلُّهُمْ (قَوْلُهُ: وَالْمُخَصِّصُ فِي الْحَقِيقَةِ) أَيْ فَفِي إسْنَادِ التَّخْصِيصِ إلَى الْعِدَّةِ تَسَمُّحٌ عَلَى أَنَّ الْمُخَصِّصَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ تَقْرِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ فَقَوْلُهُ: أَوْ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِشُمُولِ التَّقْرِيرِ لَهُ؛ إذْ الْمُرَادُ تَقْرِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَقْرِيرُ الْإِجْمَاعِ الَّذِي هُوَ دَلِيلُهُ (قَوْلُهُ: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ عَلِمَ بِهَا وَأَنْكَرَهَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهَا) أَيْ بَعْدَ زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِ) أَيْ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: تَوَسُّطٌ لِلْإِمَامِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ يَنْزِلَانِ عَلَى تَفْصِيلِ الْإِمَامِ فَيَرْجِعُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا.
(قَوْلُهُ: إنَّ الْعَامَّ لَا يُقْصَرُ عَلَى الْمُعْتَادِ) هَذِهِ غَيْرُ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْعَادَةِ السَّابِقَةِ عَلَى وُرُودِ الْعَامِّ، وَتِلْكَ فِي الْعِدَّةِ اللَّاحِقَةِ لَهُ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. اهـ ز.
(قَوْلُهُ: بَلْ تُطْرَحُ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِّ فِي الثَّانِي الْعَادَةُ السَّابِقَةُ قَيَّدَ بِالثَّانِي مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ مِثْلُهُ فِي أَنَّ الْعَامَّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عَقِبَهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْأَوَّلِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَامِّ حَتَّى تُطْرَحَ مِنْهُ بِخِلَافِهَا فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ فِي مِثَالِهِ تَنَاوَلَ الْبُرَّ، وَالْعَامُّ فِيهِ إنَّمَا هُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَهِيَ لَا تَدْخُلُ فِيهِ بِخِلَافِهَا فِي الثَّانِي فِي مِثَالِهِ فَإِنَّهَا بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَفَاضِلًا، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ اهـ. ز.
(قَوْلُهُ: فِي الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ يَنْدَرِجُ فِي حُكْمِ الْعَامِّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَهَى إلَخْ) أَتَى بِثُمَّ أَخْذًا مِنْ الْمَتْنِ حَيْثُ قَالَ السَّابِقَةُ فَعُلِمَ أَنَّ وُرُودَ الْعَامِّ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ) أَيْ مُجَرَّدَةً عَنْ تَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إجْمَاعٍ؛ إذْ لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُتَّجَهْ إلَّا التَّخْصِيصُ، وَقَصْرُ الْعَامِّ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمُعْتَادِ (قَوْلُهُ: بِالْجَوَازِ) أَيْ بِحَقِّهِ، وَمِنْهُ الشُّفْعَةُ (قَوْلُهُ: لَا يَعُمُّ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ حُكْمٌ فِي جُزْئِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ (قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ) بِنَصْبِهِ عَطْفًا عَلَى " كُلَّ " أَيْ فَيُقَالُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ نَحْوِ «نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» لَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعِ غَرَرٍ فَاسْتِدْلَالُ الْفُقَهَاءِ بِهِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ كُلِّ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرٌ نَظَرُوا فِيهِ لِلْإِطْلَاقِ لَا لِلْعُمُومِ
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْعُمُومِ: الْفِعْلُ الْمُثْبَتُ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِعْلَ لَا صِيغَةَ لَهُ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِعُمُومِهِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ صِيغَةٍ، وَقَدْ يَفْهَمُ الرَّاوِي مِنْهَا الْعُمُومَ لِيَرْوِيَهُ كَذَلِكَ اهـ. ز.
(قَوْلُهُ: عَارِفٌ بِاللُّغَةِ) أَيْ بِقَرَائِنِهَا