بِمَا أَصَابَ مِنْهَا (عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ الْمُكَاتَبَةِ) أَيْ حَمَلَهُ أَوَّلًا بَعْضُهُمْ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِصِحَّةِ تَزْوِيجِ الْكَبِيرَةِ نَفْسَهَا عِنْدَهُمْ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا فَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَيْسَتْ امْرَأَةً فِي حُكْمِ اللِّسَانِ فَحَمَلَهُ بَعْضٌ آخَرُ عَلَى الْأَمَةِ فَاعْتُرِضَ بِقَوْلِهِ: فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَإِنَّ مَهْرَ الْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا فَحَمَلَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّ الْمَهْرَ لَهَا
وَوَجْهُ بُعْدِهِ عَلَى كُلٍّ أَنَّهُ قَصْرٌ لِلْعَامِّ الْمُؤَكَّدِ عُمُومُهُ بِمَا عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ مَعَ ظُهُورِ قَصْدِ الشَّارِحِ عُمُومَهُ بِأَنْ تُمْنَعَ الْمَرْأَةُ مُطْلَقًا مِنْ اسْتِقْلَالِهَا بِالنِّكَاحِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ اسْتِقْلَالُهَا بِهِ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُهُمْ حَدِيثَ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ» أَيْ لِلصِّيَامِ مِنْ اللَّيْلِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ» (عَلَى الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ) لِصِحَّةِ غَيْرِهِمَا بِنَذْرٍ مِنْ النَّهَارِ عِنْدَهُمْ وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّهُ قَصَرَ لِلْعَامِّ النَّصَّ فِي الْعُمُومِ عَلَى نَادِرٍ لِنُدْرَةِ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّوْمِ بِالْمُكَلَّفِ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثَ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ مِثْلَ ذَكَاتِهَا أَوْ كَذَكَاتِهَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجَنِينُ الْحَيُّ لِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ عِنْدَهُمْ وَأَحَلَّهُ صَاحِبَاهُ كَالشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ بُعْدِهِ مَا فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ وَهِيَ الْمَحْفُوظَةُ كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَمَلَةِ الْحَدِيثِ فَبِأَنْ يُعْرِبَ ذَكَاةَ الْجَنِينِ خَبَرًا لِمَا بَعْدَهُ أَيْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ بِذَكَاةِ أُمِّهِ
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ إنْ ثَبَتَتْ فَبِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَمَا فِي جِئْتُك طُلُوعَ الشَّمْسِ أَيْ وَقْتَ طُلُوعِهَا، وَالْمَعْنَى ذَكَاةُ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى
ــ
[حاشية العطار]
لَا لِسَيِّدِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرَّةِ.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْمَهْرَ لَهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَخْلُفُهَا سَيِّدُهَا فِيهِ اهـ.
وَهُوَ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ؛ إذْ لَا مُوجِبَ لِكَوْنِ السَّيِّدِ خَلَفَهَا عَنْهُ مَعَ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ، قِيلَ إنَّمَا أَحْوَجَهُمْ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَعَ بُعْدِهِ مُعَارَضَةُ الْحَدِيثِ بِأَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهَا تُنْكِحُ نَفْسَهَا، وَإِذَا عُورِضَ بِأَقْوَى مِنْهُ أُوِّلَ، وَالتَّأْوِيلُ خَيْرٌ مِنْ الْإِبْطَالِ (قَوْلُهُ: بِمَا أَصَابَ) أَيْ بِسَبَبِ مَا أَصَابَ مِنْهَا
(قَوْلُهُ: أَيْ حَمَلَهُ أَوَّلًا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُوَزَّعٌ، فَإِنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ عَلَى الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: تَزْوِيجُ الْكَبِيرَةِ) بَلْ وَالصَّغِيرَةِ، وَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ إنْ أَجَازَ نَفَذَ، وَإِلَّا فَلَا فَقَرَارُهُ مِنْ الصَّغِيرَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا) تَشْبِيهٌ فِي الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: فَحَمَلَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ) أَيْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ الصَّغِيرَةَ وَالْأَمَةَ مِنْ شُمُولِ الْحَدِيثِ لَهُمَا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ. ز.
قَوْلُهُ: وَوَجْهُ بُعْدِهِ) أَيْ زِيَادَةُ بُعْدِهِ (قَوْلُهُ: الْمُؤَكَّدُ عُمُومُهُ) يَنْبَغِي أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لِبَيَانِ زِيَادَةِ الْبُعْدِ، وَأَنَّ أَصْلَ الْبُعْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي النَّصُّ فِي الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: مِنْ اللَّيْلِ) مِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ أَوْ بِمَعْنَى فِي (قَوْلُهُ: وَالنَّذْرُ) أَيْ الْمُطْلَقُ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهُوَ كَالْفَرْضِ (قَوْلُهُ: قَصْرٌ لِلْعَامِّ) لِأَنَّ لَا صِيَامَ فِي قَوْلِهِ لَا صِيَامَ نَكِرَةٌ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ وَإِذَا بُنِيَتْ عَلَى الْفَتْحِ كَانَتْ نَصًّا فِي الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ الصَّاحِبَيْنِ لَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مِثْلُ ذَكَاتِهَا إلَخْ) فِيهِ مَعَ قَوْلِهِ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَرِوَايَةُ الرَّفْعِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَرِوَايَةُ النَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجَنِينَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُذَكَّى (قَوْلُهُ: أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ إلَخْ) أَيْ مَا وَجْهُ الِاسْتِغْنَاءِ عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ (قَوْلُهُ: فَبِأَنْ يُعْرِبَ " ذَكَاةٌ " إلَخْ) إنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الْعَكْسِ لِكَوْنِ كُلِّ مَعْرِفَةٍ لِكَوْنِ ذَكَاةِ الْأُمِّ مُتَقَرِّرَةً فَتُجْعَلُ هِيَ الْأَصْلَ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّارِحُ لَمْ يَدَّعِ تَعْيِينَ مَا ادَّعَاهُ فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَهُوَ مَا جَعَلَهُ ذَكَاةَ الْجَنِينِ مُبْتَدَأً وَذَكَاةَ أُمِّهِ خَبَرًا أَيْ إنْ كَانَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ هِيَ ذَكَاةَ أُمِّهِ لَا زَائِدَ عَلَيْهِمْ فِي الْجِنْسِ (قَوْلُهُ: فَبِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ) مِنْ نِيَابَةِ الْمَصْدَرِ عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ (قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى ذَكَاةُ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ) فَيَكُونُ ذَكَاةُ أُمِّهِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ لِنِيَابَتِهِ عَنْ الظَّرْفِ الْمَحْذُوفِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ، وَهُوَ حَاصِلُهُ أُورِدَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ غَيْرُ ذَكَاةِ أُمِّهِ مَعَ أَنَّهَا هِيَ لَا زَائِدَةٌ عَلَيْهَا فِي الْحِسِّ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُغَايَرَةَ اعْتِبَارِيَّةٌ فَإِنَّهَا مِنْ حَيْثُ