للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِوَايَةِ الرَّفْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجَنِينَ الْمَيِّتَ، وَأَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهَا تَبَعًا لَهَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مِنْ «قَوْلِ السَّائِلِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَنْحَرُ الْإِبِلَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَفَنُلْقِيهِ، أَوْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» فَظَاهِرٌ أَنَّ سُؤَالَهُمْ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّكِّ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْمُمْكِنِ الذَّبْحِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالتَّذْكِيَةِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْ الْمَيِّتِ لِيُطَابِقَ السُّؤَالَ (وَ) مِنْ الْبُعْدِ تَأْوِيلُهُمْ كَمَالِكٍ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] إلَخْ (عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ) أَيْ مَحَلِّ الصَّرْفِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهُ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: ٥٨] إلَخْ ذَمَّهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى تَعَرُّضِهِمْ لَهَا لِخُلُوِّهِمْ عَنْ أَهْلِيَّتِهَا ثُمَّ بَيَّنَ أَهْلَهَا بِقَوْلِهِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: ٦٠] إلَخْ أَيْ هِيَ لِهَذِهِ الْأَصْنَافِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ دُونَ بَعْضِهِمْ أَيْضًا فَيَكْفِي الصَّرْفُ لِأَيِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ لِغَيْرِ مُنَافٍ لَهُ؛ إذْ بَيَانُ الْمَصْرِفِ لَا يُنَافِيهِ فَلْيَكُونَا مُرَادَيْنِ فَلَا يَكْفِي الصَّرْفُ لِبَعْضِ الْأَصْنَافِ إلَّا إذَا فُقِدَ الْبَاقِي لِلضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا حَدِيثَ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ) مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ عَتَقَ عَلَيْهِ (عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ) لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَنَا مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ مَا ذُكِرَ، وَوَجْهُ بُعْدِ مَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ الْعَامِّ عَنْ الْعُمُومِ

ــ

[حاشية العطار]

إضَافَتُهَا لِلْجَنِينِ غَيْرُ نَفْسِهَا مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ لِلْأُمِّ

(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْمُرَادُ) أَيْ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ) أَيْ الْجَنِينِ الَّذِي وَجَدْتُمُوهُ فِي بَطْنِهَا كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ.

وَالْجَوَابُ بِالْأَكْلِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: ذَكَاةُ أُمِّهِ يَعْنِي كَمَا أَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ أُمَّهُ فَهُوَ كَذَلِكَ، إنَّ هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ الْإِعْرَابَ الثَّانِيَ عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلُ " أَنَّ " عَلَى ذَكَاةَ الْجَنِينِ، وَهِيَ إنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: لِيُطَابِقَ السُّؤَالَ) بَعِيدٌ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ هُنَا: إنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ بِالْعُمُومِ لِلْمَيِّتِ وَالْحَيِّ، فَإِنَّهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ يَكُونُ الْجَوَابُ خَاصًّا بِالْحَيِّ وَلَا يَشْمَلُ الْمَيِّتَ فَلَا عُمُومَ وَلَا مُطَابَقَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَالِكٍ) أَيْ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيْضًا قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ (قَوْلُهُ: عَلَى بَيَانِ الصَّرْفِ) أَيْ دُونَ إرَادَةِ الِاسْتِيعَابِ لِلْأَصْنَافِ فِي الْإِعْطَاءِ (قَوْلُهُ: مَنْ يَلْمِزُكَ) أَيْ يَعِيبُكَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ أَهْلَهَا إلَخْ) أَيْ رَدًّا عَلَى مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ (قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِمْ) فَهُوَ حَصْرٌ إضَافِيٌّ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ بُعْدِهِ إلَخْ) فَإِنَّ مُقْتَضَى التَّشْرِيكِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ اللَّامِ ظَاهِرٌ فِي تَعْمِيمِ الْجَمِيعِ وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ الرَّازِيّ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَعْمِيمِ الْخُمُسِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَصْنَافِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ عَدَمَ التَّعْمِيمِ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِ الْمُتَوَلِّي لِلتَّفْرِقَةِ الْإِمَامُ، وَنَقُولُ بِذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَحِينَئِذٍ فَآيَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهَا لِبَيَانِ الْمَصْرِفِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: لَا يُنَافِيهِ) أَيْ لَا يُنَافِي فِي الِاسْتِيعَابِ، وَفِيهِ أَنَّ الْبَلَاغَةَ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِحَالِ الْمُخَاطَبِ، وَمُقْتَضَى السِّيَاقِ نَفْيُ صَرْفِهَا عَنْ الْمُخَاطَبِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يُقْتَضَى تَعْمِيمٌ، فَالتَّأْوِيلُ غَيْرُ بَعِيدٍ (قَوْلُهُ: فَهُوَ حُرٌّ) الْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَهُوَ حُرٌّ عَلَيْهِ أَيْ عَتِيقٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ) زَادَ الْمَالِكِيَّةُ الْحَوَاشِيَ الْقَرِيبَةَ (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ) أَيْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ (قَوْلُهُ: مِنْ صَرْفِ الْعَامِّ) لِأَنَّ ذَا رَحِمٍ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ: لَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ مُتَّبِعِي الشَّافِعِيِّ إذَا حَاوَلُوا حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الَّذِينَ هُمْ عُمُومُ النَّسَبِ، وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُصُولُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلتَّعْمِيمِ لَائِحٌ وَاضِحٌ فِي قَوْلِهِ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ» فَإِنَّ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْهُ ابْتِدَاءً لَا فِي حِكَايَةِ حَالٍ وَلَا جَوَابًا لِسُؤَالٍ وَلَا فِي قَصْدِ حَلِّ إعْضَالٍ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْتَادُ تَأْسِيسُ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَإِذَا قَالَ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ» تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَحَارِمَ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ أَجْمَعِينَ وَلَوْ أَرَادَ الْآبَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>