للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، فَإِنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى الْوَطْءِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَطَأُ، وَلَا يُوطَأُ أَيْ لَا يُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ وَطْئِهِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْعَقْدِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ مَعْنَيَانِ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ، وَمِثَالُ الثَّانِي حَدِيثُ مُسْلِمٍ «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» أَيْ بِأَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا أَوْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّهَا فَيَعْقِدَ لَهَا وَلَا يُجْبِرَهَا، وَقَدْ قَالَ بِعَقْدِهَا لِنَفْسِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَكِنْ إذَا كَانَتْ فِي مَكَان لَا وَلِيَّ فِيهِ وَلَا حَاكِمَ وَنَقَلَهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

ــ

[حاشية العطار]

وَعَلَيْهِ قَدْ يُقَالُ: كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَقِيلَ يُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ قَالَ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْجَزْمَ بِتَقْيِيدِهِ ذَلِكَ مَعَ مَا بَعْدَهُ مِمَّا ظَهَرَ لَهُ مِنْ فَحَوَى كَلَامِ الْقَوْمِ فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ كَلَامًا يُخَالِفُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ حَمْلِ النِّكَاحِ فِيهِ عَلَى الْوَطْءِ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَمِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ مَعْنَيَانِ تَحَكُّمٌ؛ إذْ فِي الْأَوَّلِ مَعْنَيَانِ أَيْضًا، وَهُوَ الْوَطْءُ، وَإِلَّا يَطَأْ فَهُوَ نَظِيرُ الثَّانِي فَلِمَ اُعْتُبِرَ الْمَعْنَيَانِ فِيهِ دُونَ الْأَوَّلِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا مُشَاحَّةَ فِي الْأَمْثِلَةِ وَبِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوَطْءِ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ وَاطِئٌ أَوْ مَوْطُوءٌ فَالْوَطْءُ وَاقِعٌ مِنْ الْمُحْرِمِ أَوْ فِيهِ، وَمُتَعَلِّقُ الْعَقْدِ مُتَعَدِّدٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مُتَزَوِّجٌ أَوْ مُزَوِّجٌ، فَالتَّزَوُّجُ لَهُ وَالتَّزْوِيجُ لِغَيْرِهِ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ

(قَوْلُهُ: وَلَا يُوطِئُ بِكَسْرِ الطَّاءِ) وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ الْمُسْتَفَادُ هُوَ الْوَطْءُ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْمُحْرِمِ فِعْلًا أَوْ تَمْكِينًا، وَالْمَعْنَيَانِ هُمَا عُقْدَةُ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ، وَعَقْدُهُ لِغَيْرِهِ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقُ الْعَقْدِ اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إلَخْ) قَالَ النَّاصِرُ: وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَعْنَيَيْنِ لَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَعْنًى وَاحِدٌ لِلَّفْظِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَنَقَلَهُ يُونُسُ إلَخْ) الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا تَأْذَنُ لِرَجُلٍ يَعْقِدُ لَهَا فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ لَا أَنَّهَا تَعْقِدُ بِنَفْسِهَا فِيهِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْهُمْ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهَا وَقَالَ: إنَّهُ تَحْكِيمٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْأَوْلَى عَدَمُ إثْبَاتِهَا لِإِطْلَاقِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَ بِخِلَافِهَا وَلِجَلْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّاكِحَ وَالْمُنْكَحَ فِي ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ تَحْكِيمٌ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ رِضَاهُمَا بِمَنْ يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا، وَالتَّزْوِيجُ يَفْتَقِرُ إلَى وِلَايَةٍ مِنْ الشَّرْعِ لَكِنَّ النَّوَوِيَّ اخْتَارَ جَوَازَ التَّحْكِيمِ، وَقَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ الَّذِي نَقَلَهُ يُونُسُ وَهُوَ ثِقَةٌ اهـ. كَلَامُ السُّبْكِيّ بِمَعْنَاهُ وَيُحْتَمَلُ حَمْلُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ يُونُسَ عَلَى أَنَّهَا عَقَدَتْ لِنَفْسِهَا بِوَاسِطَةِ إذْنِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>