وَلَا إشْكَالَ فِي ذِكْرِ الْبَيَانِ هُنَا مَعَ ذِكْرِهِ قَبْلُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا يُعْلَمُ بِهِ صِفَةُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ (وَيَخُصُّ الْوُجُوبَ) عَنْ غَيْرِهِ (أَمَارَاتُهُ كَالصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِاسْتِقْرَاءِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَاجِبَةٌ وَمَا لَا يُؤَذَّنُ لَهَا كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (مَمْنُوعًا) مِنْهُ (لَوْ لَمْ يَجِبْ كَالْخِتَانِ وَالْحَدِّ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ.
وَقَدْ يَتَخَلَّفُ الْوُجُوبُ عَنْ هَذِهِ الْأَمَارَةِ لِدَلِيلٍ كَمَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ (وَ) يَخُصُّ (النَّدْبَ) عَنْ غَيْرِهِ (مُجَرَّدُ قَصْدِ الْقُرْبَةِ) عَنْ قَيْدِ الْوُجُوبِ (وَهُوَ) أَيْ الْفِعْلُ لِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ (كَثِيرٌ) مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ (وَإِنْ جُهِلَتْ) صِفَتُهُ (فَلِلْوُجُوبِ) فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ (وَقِيلَ لِلنَّدْبِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَحَقِّقُ بَعْدَ الطَّلَبِ (وَقِيلَ لِلْإِبَاحَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَبِ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ فِي الْكُلِّ) لِتَعَارُضٍ أَوْجُهِهِ (وَ) قِيلَ بِالْوَقْفِ (فِي الْأَوَّلَيْنِ) فَقَطْ (مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّهُمَا الْغَالِبُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) قِيلَ بِالْوَقْفِ (فِيهِمَا) فَقَطْ (إنْ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ) وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ وَعَلَى غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ الْبَيَانِ) وَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ ذِكْرَ الْبَيَانِ هُنَا فِي عَدَدِ أَقْسَامٍ سِوَى مَا تَقَدَّمَ يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ الْقَسَمِ قَسِيمًا لِذِكْرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا لَيْسَ مَخْصُوصًا بِسِوَى مَا تَقَدَّمَ بَلْ فِيمَا يُعْلَمُ بِهِ صِفَةُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، فَقَوْلُهُ: وَتُعْلَمُ صِفَةُ فِعْلِهِ أَيْ مُطْلَقًا لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ) أَيْ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ ثُمَّ يَجُوزُ إجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ الْأَمَارَةَ الصَّلَاةُ بِالْأَذَانِ؛ إذْ لَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ جَعْلِ الصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ أَمَارَةً عَلَى وُجُوبِهَا لِتَغَايُرِ الصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ مَعَ وُجُوبِهَا، وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَذَانَ لِلصَّلَاةِ أَمَارَةٌ عَلَى وُجُوبِهَا فَتَكُونُ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةً أَيْ كَالْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: عَنْ قَيْدِ الْوُجُوبِ) أَيْ عَنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَالْمُرَادُ بِالْقَيْدِ الدَّلِيلُ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمُجَرَّدٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا وَإِلَّا فَقَصْدُ الْقُرْبَةِ يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جُهِلَتْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَإِنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْمُصَنِّفِ فِي حِكَايَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ، وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الشَّافِعِيِّ
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ أَئِمَّةُ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعِيَّةِ، وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ.
وَذَكَرَ السَّمْعَانِيُّ أَنَّ الْوُجُوبَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ فَمَا بَدَأَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُتَحَقِّقُ) أَيْ الْمَجْزُومُ بِهِ؛ لِأَنَّ جَزْمَ الطَّلَبِ قَدْرٌ زَائِدٌ، الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا طَلَبَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ بِطَلَبٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ فَعِنْدَ الْجَهْلِ بِصِفَةِ هَذَا الْفِعْلِ الْمُحَقَّقِ بَعْدَ الطَّلَبِ النَّدْبُ، وَمَنْ قَالَ: الْإِبَاحَةُ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا عَنْ طَلَبٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَبِ) أَيْ الْأَصْلُ الْأَصِيلُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ الْمُتَحَقِّقُ بَعْدَ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا الْغَالِبُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِتَخْصِيصِ الْأَوَّلَيْنِ (قَوْلُهُ: إنْ ظَهَرَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ ظُهُورَ قَصْدِ الْقُرْبَةِ مِنْ أَمَارَاتِ النَّدْبِ، فَكَيْفَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ احْتِمَالُ نَدْبٍ بِخِلَافِ مَا هُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute