سَوَاءٌ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ أَوْ لَا، وَمُجَامَعَةُ الْقَرِينَةِ لِلْإِبَاحَةِ بِأَنْ يَقْصِدَ بِفِعْلِ الْمُبَاحِ بَيَانَ الْجَوَازِ لِلْأُمَّةِ فَيُثَابَ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ: إنْ ظَهَرَ عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ الَّذِي هُوَ سَهْوٌ كَمَا رَأَيْتهمَا فِي خَطِّهِ مَشْطُوبًا عَلَى الثَّانِي مِنْهُمَا مُلْحَقًا بَدَلَهُ الْأَوَّلُ.
(إذَا تَعَارَضَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ) أَيْ تَخَالَفَا (وَدَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَكَرُّرِ مُقْتَضَى الْقَوْلِ فَإِنْ كَانَ) الْقَوْلُ (خَاصًّا بِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنْ قَالَ: يَجِبُ عَلَيَّ صَوْمُ عَاشُورَاءَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَفْطَرَ فِيهِ سَنَةً بَعْدَ الْقَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ (فَالْمُتَأَخِّرُ) مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِأَنْ عُلِمَ (نَاسِخٌ) لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا فِي حَقِّهِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي تَأَخُّرِ الْفِعْلِ، وَكَذَا فِي تَقَدُّمِهِ لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَمِرِّ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَدَلَّ إلَخْ عَمَّا لَمْ يَدُلَّ فَلَا نَسْخَ حِينَئِذٍ لَكِنْ فِي تَأَخُّرِ الْفِعْلِ دُونَ تَقَدُّمِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ دَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَمِرِّ (فَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ (فَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (الْأَصَحُّ الْوَقْفُ) عَنْ أَنْ يُرَجَّحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي حَقِّهِ إلَى تَبَيُّنِ التَّارِيخِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي احْتِمَالِ تَقَدُّمِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَقِيلَ: يُرَجَّحُ الْقَوْلُ لِأَنَّهُ أَقْوَى دَلَالَةً مِنْ الْفِعْلِ لِوَضْعِهِ لَهَا، وَالْفِعْلُ إنَّمَا يَدُلُّ بِقَرِينَةٍ، وَقِيلَ: يُرَجَّحُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الْبَيَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَيِّنُ بِهِ الْقَوْلَ وَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّنَا
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: سَوَاءٌ ظَهَرَ إلَخْ) أَيْ يَقُولُ بِمَا قَالَ سَوَاءٌ ظَهَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمُجَامَعَةُ الْقُرْبَةِ لِلْإِبَاحَةِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِبَاحَةِ مَعَ أَنَّ بَيْنَ اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَرُجْحَانِ أَحَدِهِمَا تَنَافِيًا (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ سَهْوٌ) وَجْهُ كَوْنِهِ سَهْوًا أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمُقَيَّدَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ يُبْعِدُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ فَكَيْفَ يُقَيَّدُ بِهِ الْوَقْفُ فِيهِمَا ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ عَدَمُ مُنَافَاةِ عَدَمِ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ظُهُورِ ذَلِكَ الْقَصْدِ اسْمٌ فَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِهِ بِذَلِكَ التَّقْيِيدِ قَالَهُ سم (قَوْلُهُ: كَمَا رَأَيْتهمَا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ عَدْلٌ إلَخْ فَإِنَّ الْعُدُولَ يَقْتَضِي أَنَّهُ ثَبْتٌ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَعَدْلٌ لِلثَّانِي، وَأَشَارَ بِهَذَا الرَّدِّ تَعَقُّبُ الزَّرْكَشِيّ وَتَبِعَهُ أَبُو زُرْعَةَ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِشَرْحِهِمَا عَلَى النُّسْخَةِ الْمَشْطُوبَةِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ تَخَالَفَا) فَسَّرَ الْأَخَصَّ بِالْأَعَمِّ فَإِنَّ التَّخَالُفَ أَعَمُّ لِصِدْقِهِ بِالْمُغَايَرَةِ فِي الْمَفْهُومِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ التَّعَارُضِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ: وَدَلَّ دَلِيلٌ إلَخْ إذْ لَوْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ التَّعَارُضِ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَكَرُّرِ مُقْتَضَى الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ النَّسْخُ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ظَاهِرٌ فِي تَأَخُّرِ الْفِعْلِ لِظُهُورِ دَلَالَةِ الْقَوْلِ السَّابِقِ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُسْتَمِرِّ وَكَذَا فِي تَقَدُّمِهِ لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَمِرِّ فَإِذَا تَأَخَّرَ الْقَوْلُ عَنْهُ كَانَ نَسْخًا (قَوْلُهُ: لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ) أَشَارَ إلَى جَوَابِ مَا يُقَالُ: إنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي تَأَخُّرٍ إلَخْ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الطَّلَبَ فِي غَيْرِ زَمَنٍ كَانَ (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ) صِفَةٌ ثَالِثُهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَقْوَى) فِيهِ أَنَّهُ لَا عَلَاقَةَ لِلْقُوَّةِ فِي النَّسْخِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي دَلِيلِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: لِوَصْفِهِ لَهَا) أَيْ لِوَصْفِهِ لِأَجْلِهَا فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لَمْ يُوضَعْ لَهَا إنَّمَا وُضِعَ لِمَعْنَاهُ لَكِنْ لِأَجْلِ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: بِقَرِينَةٍ) ؛ لِأَنَّ لَهُ مَحَامِلَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ مُقَارِنٍ يُبَيِّنُ بَعْضَهَا وَالْمُرَادُ بِالْقَرِينَةِ هِيَ عِصْمَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْمَكْرُوهَاتُ بِفِعْلِهِ دَلِيلٌ لَنَا عَلَى الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الْبَيَانِ) فِيهِ أَنَّ قُوَّةَ الْفِعْلِ فِي بَيَانِ الْكَيْفِيَّاتِ أَمَّا بَيَانُ الْأَحْكَامِ فَالْقَوْلُ أَقْوَى (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَيِّنُ بِهِ الْقَوْلَ) أَيْ يُبَيِّنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute