للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ مَا لِنَخْلِكُمْ؟ قَالُوا: قُلْت كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» (وَقِيلَ: يَدُلُّ) عَلَى صِدْقِهِ (إنْ كَانَ) مُخْبِرًا (عَنْ) أَمْرٍ (دُنْيَوِيٍّ) بِخِلَافِ الدِّينِيِّ فَلَا يَدُلُّ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَكْسُ هَذَا التَّفْصِيلِ بَدَلُهُ، وَتَوْجِيهُهُمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ.

وَأُجِيبَ فِي الدِّينِيِّ بِأَنَّ سَبْقَ الْبَيَانِ أَوْ تَأْخِيرَهُ لَا يُبِيحُ السُّكُوتَ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُنْكَرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إفْهَامِ تَغْيِيرِ الْحُكْمِ فِي الْأَوَّلِ وَتَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ فِي الثَّانِي، وَفِي الدُّنْيَوِيِّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذِبًا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْلِمُهُ اللَّهُ بِهِ عِصْمَةً لَهُ عَنْ أَنْ يُقِرَّ أَحَدًا عَلَى كَذِبٍ كَمَا أَعْلَمَهُ بِكَذِبِ الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ لَهُ: نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ أَنَّ قُلُوبَهُمْ وَافَقَتْ أَلْسِنَتَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ دِينِيًّا أَمَّا إذَا وُجِدَ حَامِلٌ عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّقْرِيرِ كَمَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ مِمَّنْ يُعَانِدُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يَنْفَعُ فِيهِ الْإِنْكَارُ فَلَا يَدُلُّ السُّكُوتُ عَلَى الصِّدْقِ قَوْلًا وَاحِدًا (وَأَمَّا مَظْنُونُ الصِّدْقِ فَخَبَرُ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى التَّوَاتُرِ) وَاحِدًا كَانَ رَاوِيَهُ أَوْ أَكْثَرَ أَفَادَ الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ أَوْ لَا (وَمِنْهُ) حِينَئِذٍ (الْمُسْتَفِيضُ، وَهُوَ الشَّائِعُ عَنْ أَصْلٍ) فَخَرَجَ الشَّائِعُ لَا عَنْ أَصْلٍ (وَقَدْ يُسَمَّى) أَيْ الْمُسْتَفِيضُ (مَشْهُورًا وَأَقَلُّهُ) مِنْ حَيْثُ عَدَدُ رَاوِيهِ أَيْ أَقَلُّ عَدَدٍ رَوَى الْمُسْتَفِيضَ (اثْنَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ) الْأَوَّلُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَلُّ مَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِفَاضَةُ اثْنَانِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُسْتَفِيضُ مَا زَادَ نَقَلَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ.

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: فَخَرَجَ شِيصًا) أَيْ لَمْ يَشْتَدَّ نَوَاهُ قَوْلُهُ «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» أَيْ بِكَيْفِيَّةِ التَّلْقِيحِ (قَوْلُهُ عَكْسُ هَذَا التَّفْصِيلِ) ، وَهُوَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ إنْ كَانَ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ لَا دُنْيَوِيٍّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ لَا يَعْلَمُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَتَوْجِيهُهُمَا) أَيْ التَّفْصِيلُ وَعَكْسُهُ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ تَضَمَّنَهُ إلَخْ) بِوَاسِطَةِ التَّأْكِيدِ بِإِنْ وَاللَّامِ وَالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَدَفَعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ الشَّهَادَةُ إنْشَاءٌ، وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا وُجِدَ حَامِلٌ عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّقْرِيرِ) أَيْ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا قُيِّدَ بِقَيْدَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِمَا وَبِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا، وَالْحَامِلُ عَلَى الْكَذِبِ صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ مُبَاحًا كَأَنْ يَكُونَ لِلْإِصْلَاحِ أَوْ فِي إنْكَارِ وَدِيعَةٍ مِنْ ظَالِمٍ أَنَّ نَفْيَ الْحَامِلِ عَلَى التَّقْرِيرِ يُغْنِي عَنْ نَفْيِ الْحَامِلِ عَلَى الْكَذِبِ وَعَكْسَهُ؛ لِاسْتِلْزَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ ثُمَّ هَاهُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ،.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ التَّقْرِيرَ لِحَامِلٍ عَلَيْهِ إذَا فُرِضَ وُقُوعُهُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إلَّا التَّقْرِيرُ عَلَى الْجَائِزِ إذْ التَّقْرِيرُ عَلَى غَيْرِهِ ذَنْبٌ فَهَاهُنَا حُكْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَقْرِيرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

وَالثَّانِي: دَلَالَةُ التَّقْرِيرِ.

وَالْمُصَنِّفُ تَكَلَّمَ عَلَى الثَّانِي وَسَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ لِعِلْمِ امْتِنَاعِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مَبْنِيًّا عَلَى فَرْضِ وُقُوعِ التَّقْرِيرِ مَعَ امْتِنَاعِ وُقُوعِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ إلَّا إذَا أَفَادَ، وَهُوَ خِلَافُ الْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: إلَى التَّوَاتُرِ) أَيْ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ تَصْرِيحٌ بِتَسْمِيَةِ مَا وَرَاءَ نَحْوِ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ خَبَرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَفَادَ الْعِلْمَ) فَإِنْ قِيلَ إدْخَالُ هَذَا تَحْتَ خَبَرِ الْوَاحِدِ يُنَافِي فَرْضَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مَظْنُونُ الصِّدْقِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ الْمُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ مَظْنُونُ الصِّدْقِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِوَاسِطَةِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْمُسْتَفِيضُ) تَعْرِيضٌ بِمَنْ جَعَلَهُ وَاسِطَةً (قَوْلُهُ: عَنْ أَصْلٍ) أَيْ عَنْ إمَامٍ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ عَدَدُ رَاوِيهِ) دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْأَقَلِّيَّةَ مِنْ حَيْثُ تَعَدُّدُ الرِّوَايَاتِ بِاخْتِلَافِ وُجُوهِهَا وَلَا يَدْفَعُ الْوَهْمُ صِيغَةَ التَّذْكِيرِ فِي اثْنَانِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ عَلَى الْخَبَرَيْنِ (قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ) يَعْنِي بِهِ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ شَيْخَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ تَرْجَمَهُ الْمُصَنِّفِ فِي طَبَقَاتِهِ تَرْجَمَةً وَاسِعَةً وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْأَوَّلِ قَوْلُ الْفَقِيهِ لَا قَوْلُ الْأُصُولِيِّ وَلِهَذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ وَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ كَالْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ اثْنَانِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ جَمِيعٍ (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ إلَخْ) الْقَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>