(وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ الْمُخْبِرَ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ لَمْ يُكَذِّبُوهُ، وَلَا حَامِلَ عَلَى سُكُوتِهِمْ) عَنْ تَكْذِيبِهِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ فِي شَيْءٍ مِنْهُ (صَادِقٌ) فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ تَصْدِيقٌ لَهُ عَادَةً فَقَدْ اتَّفَقُوا، وَهُمْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ عَلَى خَبَرٍ عَنْ مَحْسُوسٍ إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ فَيَكُونُ صِدْقًا قَطْعًا، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ سُكُوتِهِمْ تَصْدِيقُهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَسْكُتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ لَا لِشَيْءٍ (وَكَذَا الْمُخْبِرُ بِمِسْمَعٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ بِمَكَانٍ يَسْمَعُهُ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَا حَامِلَ عَلَى التَّقْرِيرِ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) عَلَى (الْكَذِبِ) لِلْمُخْبِرِ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ دِينِيًّا كَانَ أَوْ دُنْيَوِيًّا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى كَذِبٍ (خِلَافًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ) مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يَدُلُّ سُكُوتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صِدْقِ الْمُخْبِرِ: أَمَّا فِي الدِّينِيِّ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَهُ أَوْ أَخَّرَ بَيَانَهُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْمُخْبِرُ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَوِيِّ فَلِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ النَّبِيُّ يَعْلَمُ كَمَا فِي لِقَاحِ النَّخْلِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ قَالَ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُخْبِرَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحُضُورِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ عَنْ مَحْسُوسٍ، وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَعْلَمُوهُ مِثْلَ خَبَرٍ غَرِيبٍ لَا تَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا الْأَفْرَادُ لَمْ يَدُلَّ سُكُوتُهُمْ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَوْ كَانَ يَعْلَمُونَهُ، وَلَكِنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُون لِحَامِلٍ عَنْ السُّكُوتِ عَنْ تَكْذِيبِهِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَدُلُّ سُكُوتُهُمْ عَلَى صِدْقِهِ أَيْضًا، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَامِلَ لَهُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعًا (قَوْلُهُ: تَصْدِيقٌ لَهُ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِحَالِ الْمُخْبِرِ بِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ تَصْدِيقٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ أَنَّهُ صِدْقٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِظَنِّهِمْ صِدْقَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ صِدْقُهُ كَمَا مَرَّ فِي غَيْرِهِ نَعَمْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ شَيْءٍ وُجِدَ بِحَضْرَتِهِمْ ظَهَرَ أَنَّ سُكُوتَهُمْ تَصْدِيقٌ.
وَأُجِيبَ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا أَخْبَرَ عَنْ مَحْسُوسٍ لَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِمْ (قَوْلُهُ: عَنْ مَحْسُوسٍ) أَيْ لَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِمْ عَادَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَا حَامِلَ عَلَى التَّقْرِيرِ وَعَلَى الْكَذِبِ) هَذَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْكِتَابِ الثَّانِي مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ، وَأَنَّ سُكُوتَهُ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ إلَخْ.
وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ فِي الْكَافِرِ الْمُعَانِدِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ فِيهِ الْإِنْكَارُ وَمَا تَقَدَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى خِلَافِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: دِينِيًّا إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: بَيَّنَهُ) أَيْ سَابِقًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إلَخْ) تَنَازُعُهُ بَيَّنَهُ وَأَخَّرَ (قَوْلُهُ: أَوْ أَخَّرَ بَيَانَهُ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي إلْقَاحِ النَّخْلِ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمَ النَّبِيُّ حَالَ الدُّنْيَوِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثَالًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ لَا أَخْبَارَ هُنَا بِحَضْرَتِهِ (قَوْلُهُ: لَصَلُحَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَلَاحُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَوْ فِي ظَنِّيٍّ وَقَالَ بَعْضٌ إنَّهُ قَالَهُ فِي حَالِ اسْتِغْرَاقِهِ فِي شُهُودِ الْوَحْدَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute