(وَافْتِرَاقُ الْعُلَمَاءِ) فِي الْخَبَرِ (بَيْنَ مُؤَوِّلٍ) لَهُ (وَمُحْتَجٍّ) بِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ (خِلَافًا لِقَوْمٍ) فِي قَوْلِهِمْ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالُوا: لِلِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِهِ حِينَئِذٍ قُلْنَا: الِاتِّفَاقُ عَلَى قَبُولِهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
ــ
[حاشية العطار]
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّيعَةَ قَدْ اسْتَدَلَّتْ عَلَى اسْتِحْقَاقِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَاطِبًا لِأَصْحَابِهِ سَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُخَاطِبًا لَهُ «أَنْتَ الْخَلِيفَةُ بَعْدِي» وَقَوْلُهُ: «مُبَشِّرًا إلَى عَلِيٍّ وَأَخَذَ بِيَدِهِ هَذَا خَلِيفَتِي فِيكُمْ مِنْ بَعْدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَقَدْ أَوْرَدَ جُمْلَةً مِنْهَا النَّصِيرُ الطُّوسِيُّ فِي مَبْحَثِ الْإِمَامَةِ مِنْ مَتْنِ التَّجْرِيدِ وَلَوَّثَ هَذَا الْمَبْحَثَ بِذِكْرِ مَطَاعِنَ فِي بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - عَلَى مَا هِيَ عَقِيدَةُ الرَّافِضَةِ وَالشِّيعَةِ وَقَدْ تَصَدَّى شُرَّاحُ ذَلِكَ الْمَتْنِ لِرَدِّهَا وَالْجَوَابِ عَنْهَا - جَزَاهُمْ اللَّهُ عَنْ الدِّينِ خَيْرًا - وَكُنْت رَأَيْت فِي بَعْضِ حَوَاشِي ذَلِكَ الْكِتَابِ نَقْلًا عَنْ شَارِحِهِ أَكْمَلِ الدِّينِ أَنَّ النَّصِيرَ مَاتَ قَبْلَ إتْمَامِهِ فَأَكْمَلَهُ ابْنُ الْمُطَهَّرِ الْحِلِّيِّ وَوَضَعَ فِيهِ هَذِهِ الْمَطَاعِنَ، وَقَدْ كَانَ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ وَهَذَا اعْتِذَارٌ حَسَنٌ لَوْ تَمَّ فَإِنَّ الْمُؤَرِّخِينَ كُلَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الطُّوسِيَّ مِنْ أَكَابِرِ الشِّيعَةِ وَرُؤَسَائِهِمْ وَقَدْ قَرَّرَ الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْقَوْسَجِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَتْنِ الْمُسَمَّى بِالشَّرْحِ الْجَدِيدِ حَاصِلَ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» قَالَ: إنَّ الْمَنْزِلَةَ اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ فَعَمَّ كَمَا إذَا عُرِّفَ بِاللَّامِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا اسْتَثْنَى مِنْهَا مَرْتَبَةَ النُّبُوَّةِ بَقِيَتْ عَامَّةً فِي بَاقِي الْمَنَازِلِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُهُ خَلِيفَةً لَهُ وَمُتَوَالِيًا فِي تَدْبِيرِ الْأَمْرِ وَمُتَصَرِّفًا فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَرَئِيسًا مُفْتَرَضَ الطَّاعَةِ لَوْ عَاشَ بَعْدَهُ؛ إذْ لَا يَلِيقُ بِمَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ زَوَالُ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ الثَّابِتَةِ فِي حَيَاةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِوَفَاتِهِ، وَإِنْ قَدْ صَرَّحَ بِنَفْيِ النُّبُوَّةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ بَلْ هُوَ خَبَرُ آحَادٍ فِي مُقَابَلَةِ الْإِجْمَاعِ، وَيَمْنَعُ عُمُومَ الْمَنَازِلِ، بَلْ غَايَةُ الِاسْمِ الْمُفْرَدِ إلَى الْعِلْمِ الْإِطْلَاقُ، وَرُبَّمَا يَدَّعِي كَوْنَهُ مَعْهُودًا مُعَيَّنًا كَغُلَامِ زَيْدٍ وَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ إخْرَاجًا لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْمَنْزِلَةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك: إلَّا النُّبُوَّةَ بَلْ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ كَيْفَ وَمِنْ الْمَنَازِلِ الْأُخُوَّةُ فِي النَّسَبِ، وَلَمْ تَثْبُتْ لِعَلِيٍّ
وَأَجَابَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ النُّصُوصِ عُمُومًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْخَطِيرِ يَعْنِي نَصْبَ الْإِمَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِمَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لِعَامَّةِ الْخَلْقِ مِثْلَ هَذِهِ النُّصُوصِ الْجَلِيَّةِ لَتَوَاتَرَ وَاشْتَهَرَ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَتَوَافَقُوا فِي الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ، وَلَمْ يَتَرَدَّدُوا حِين اجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ لِتَعْيِينِ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ الْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، وَمَالَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَأُخْرَى إلَى الْعَبَّاسِ وَأُخْرَى إلَى عَلِيٍّ وَلَمْ يَتْرُكْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُحَاجَّةَ الْأَصْحَابِ وَمُخَاصَمَتَهُمْ وَادِّعَاءَ الْأَمْرِ لَهُ وَالتَّمَسُّكَ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ بَلْ قَامَ بِأَمْرِهِ وَطَلَبَ حَقَّهُ كَمَا قَامَ بِهِ حِينَ أَفَضْت النُّبُوَّةُ إلَيْهِ، وَقَاتَلَ حَتَّى أَفْنَى الْخَلْقَ الْكَثِيرَ مَعَ أَنَّ الْخَطْبَ إذْ ذَاكَ أَشَدُّ، وَفِي الْأَوَّلِ الْأَمْرُ سَهْلٌ، وَعَهْدُهُمْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَبُ وَهَمُّهُمْ فِي تَنْفِيذِ أَحْكَامِهِ أَرْغَبُ، وَكَيْفَ يَزْعُمُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُمْ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ وَذَخَائِرَهُمْ وَقَتَلُوا أَقَارِبَهُمْ وَعَشَائِرَهُمْ فِي نُصْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْقِيَادِ أَمْرِهِ وَاتِّبَاعِ طَرِيقَتِهِ أَنَّهُمْ خَالَفُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْفِنُوهُ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ الظَّاهِرَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ.
(قَوْلُهُ: وَافْتِرَاقُ الْعُلَمَاءِ إلَخْ) لَعَلَّهُ ضَمَّنَهُ مَعْنَى الدَّوْرَانِ أَوْ الْمُتَرَدِّدِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ بَيْنَ أَيْ دَائِرَيْنِ أَوْ مُتَرَدِّدَيْنِ إلَخْ ثُمَّ إنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مَفْرُوضٌ فِي تَوَافُرِ الدَّوَاعِي عَلَى الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ هَذَا (قَوْلُهُ: لِلِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِهِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ يَسْتَلْزِمُ قَبُولَهُ، وَكَذَا تَأْوِيلُهُ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُحْتَجْ إلَى تَأْوِيلِهِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: قَدْ يَكُونُ التَّأْوِيلُ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ كَمَا يَقَعُ لَهُمْ كَثِيرًا أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ الصِّحَّةَ ثُمَّ يَقُولُونَ وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى كَذَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّأْوِيلُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لَا يَكُونُ عَادَةً إلَّا مَعَ اعْتِقَادِ الصِّحَّةِ اهـ. سم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute