مُطْلَقًا (وَثَالِثُهَا يَدُلُّ إنْ تَلَقَّوْهُ) أَيْ الْمُجْمِعُونَ (بِالْقَبُولِ) بِأَنْ صَرَّحُوا بِالِاسْتِنَادِ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا بِالِاسْتِنَادِ إلَيْهِ فَلَا يَدُلُّ لِجَوَازِ اسْتِنَادِهِمْ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا اسْتَنْبَطُوهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَثَانِيهَا يَدُلُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِنَادُهُمْ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ لِعَدَمِ ظُهُورٍ مُسْتَنَدٍ غَيْرِهِ، وَوَجْهُ دَلَالَةِ اسْتِنَادِهِمْ إلَيْهِ عَلَى صِدْقِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ صِدْقًا بِأَنْ كَانَ كَذِبًا لَكَانَ اسْتِنَادُهُمْ إلَيْهِ خَطَأً، وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْهُ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ الْخَطَأَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا صِدْقَهُ، وَهُمْ إنَّمَا أُمِرُوا بِاسْتِنَادٍ إلَى مَا ظَنُّوا صِدْقَهُ فَاسْتِنَادُهُمْ إلَيْهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِمْ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقِيلَ: إنَّ ظَنَّهُمْ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَأِ.
(وَكَذَلِكَ بَقَاءُ خَبَرٍ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى إبْطَالِهِ) بِأَنْ لَمْ يُبْطِلْهُ ذَوُو الدَّوَاعِي مَعَ سَمَاعِهِمْ لَهُ آحَادًا لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ (خِلَافًا لِلزَّيْدِيَّةِ) فِي قَوْلِهِمْ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالُوا: لِلِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِهِ حِينَئِذٍ، قُلْنَا: الِاتِّفَاقُ عَلَى قَبُولِهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِثَالُهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَإِنَّ دَوَاعِيَ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَدْ سَمِعُوهُ مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى إبْطَالِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا قِيلَ كَخِلَافَةِ هَارُونَ عَنْ مُوسَى بِقَوْلِهِ {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [الأعراف: ١٤٢] وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يُبْطِلُوهُ.
ــ
[حاشية العطار]
عَلَى صِدْقِ نِسْبَتِهِ إلَى النَّبِيِّ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: بِأَنْ صَرَّحُوا) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ فَهُوَ بَيَانٌ لِسَبَبِ التَّلَقِّي بِالْقَبُولِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ إنْ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُمْ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْعِلْمُ بِالتَّلَقِّي لَا نَفْسُ التَّلَقِّي الَّذِي هُوَ اعْتِقَادُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ التَّصْرِيحَ يَتَأَخَّرُ عَنْ التَّلَقِّي فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لَهُ؛ إذْ السَّبَبُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ مُسَبَّبِهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا اسْتَنْبَطُوهُ) اعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ لَا مُسْتَنْبِطٌ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الدَّلِيلَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ حَيْثُ وَجْهُ دَلَالَتِهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ) وَأَمَّا حَيْثُ صَرَّحُوا بِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي اسْتِنَادِهِمْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ دَلَالَةِ اسْتِنَادِهِمْ) قَالَ الشِّهَابُ: هُوَ تَوْجِيهٌ لِلثَّانِي وَلِمَا تَضَمَّنَهُ الثَّالِثُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِنَادَ إلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ (قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الِاسْتِنَادِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِمْ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» أَيْ عَلَى أَمْرٍ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهِ وَفِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَا يُقَالُ فَالْإِجْمَاعُ حِينَئِذٍ ظَنِّيٌّ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ قَطْعِيٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ: يَجْزِمُوا بِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ بَلْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ إنَّمَا هُوَ قَطْعِيٌّ فِي الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيقَةٍ ظَنٍّ؛ لِأَنَّ ظَنَّ الْمُجْمِعِينَ مَعْلُومٌ قَطْعًا، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي قَطْعِيَّةَ الْإِجْمَاعِ فِي الظَّاهِرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنَّ ظَنَّهُمْ إلَخْ) عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ أَيْ عَلَى خَطَأٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمَقْصُودُ الشَّارِحِ الْإِشَارَةُ إلَى الْقَدْحِ فِي دَلِيلِ الرَّاجِحِ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِسَنَدِ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ظَنَّهُمْ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَأِ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: بَقَاءُ خَبَرٍ) أَيْ بَقَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ إبْطَالٍ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُبْطِلْهُ) تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ: بَقَاءُ (قَوْلُهُ: أَنْتَ مِنِّي) أَيْ قُرْبُك مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ أَيْ فِي الْخِلَافَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا يَتَوَلَّى الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: فَإِنَّ دَوَاعِيَ بَنِي أُمَيَّةَ) أَيْ شَهَوَاتِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: لِدَلَالَتِهِ) الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَهُ بِالْمَدِينَةِ لَمَّا ذَهَبَ إلَى الْغَزْوِ، وَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَجْعَلُنِي بِمَنْزِلَةِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» أَيْ حِينَ ذَهَبَ إلَى الْمُنَاجَاةِ وَخَلَفَهُ فِي قَوْمِهِ أَيْ فَلَيْسَ هَذَا بِنَقْصٍ فِي حَقِّك فَلَكَ أُسْوَةٌ بِهَارُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ) قَائِلُهُ الشِّيعَةُ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ مَاتَ هَارُونُ قَبْلَ مُوسَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute