نَفْسِهِ وَالْمُسْعَى بِهِ وَإِلَيْهِ
(وَمَنْعُ الزَّكَاةِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ» إلَخْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(وَيَأْسُ الرَّحْمَةِ) قَالَ تَعَالَى {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧] (وَأَمْنُ الْمَكْرِ) بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي وَالِاتِّكَالِ عَلَى الْعَفْوِ قَالَ تَعَالَى {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: ٩٩] .
(وَالظِّهَارُ) كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] أَيْ حَيْثُ شَبَّهُوا الزَّوْجَةَ بِالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ
(وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ) أَيْ تَنَاوُلُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥]
(وَفِطْرُ رَمَضَانَ) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَفِطْرُهُ يُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ مُرْتَكِبِهِ بِالدِّينِ.
(وَالْغُلُولُ) ، وَهُوَ الْخِيَانَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ كَمَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٦١] (وَالْمُحَارَبَةُ) وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمَارِّينَ بِإِخَافَتِهِمْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ
(وَالسِّحْرُ وَالرَّبَّا) بِالْمُوَحَّدَةِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّهُمَا مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ
(وَإِدْمَانُ الصَّغِيرَةِ)
ــ
[حاشية العطار]
لَمْ يَقْصِدْهُ إنْ عَلِمَ تَرَتُّبَهُ عَلَى إخْبَارِ الظَّالِمِ وَكَالْقَوْلِ الْإِشَارَةُ (قَوْلُهُ: نَفْسَهُ) أَيْ فِي الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ وَالْمُسْعَى بِهِ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَقَوْلُهُ وَإِلَيْهِ أَيْ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ مُثَلَّث.
(قَوْلُهُ: وَمَنْعُ الزَّكَاةِ) يَدْخُلُ فِيهِ الْمَنْعُ الْمُطْلَقُ وَالْمَنْعُ وَقْتَ الْوُجُوبِ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: لَا يُؤَدِّي مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا عَيْنًا (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ إلَخْ) كَانَ تَامَّةٌ وَصُفِّحَتْ إمَّا مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصَفَائِحُ حَالٌ أَوْ إلَى صَفَائِحَ وَحِكْمَةُ قَوْلِهِ مِنْ نَارٍ مَعَ قَوْلِهِ فَأُحْمِيَ الْإِشَارَةُ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرَارَةِ
(قَوْلُهُ: وَيَأْسُ الرَّحْمَةِ) اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ بِمَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كُفْرٌ، وَفِي عَقَائِدِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْإِيَاسَ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ، وَأَنَّ الْأَمْنَ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَكْفَرُ فَإِنْ أَرَادُوا الْإِيَاسَ لِإِنْكَارِ سَعَةِ الرَّحْمَةِ الذُّنُوبَ وَبِالْأَمْنِ اعْتِقَادَ أَنْ لَا مَكْرَ فَكُلٌّ مِنْهُمَا كُفْرٌ وِفَاقًا؛ لِأَنَّهُ رَدُّ الْقُرْآنِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ مَنْ اسْتَعْظَمَ ذُنُوبَهُ فَاسْتَبْعَدَ الْعَفْوَ عَنْهَا اسْتِبْعَادًا يَدْخُلُ فِي حَدِّ الْيَأْسِ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الرَّجَاءِ مَا دَخَلَ بِهِ فِي حَدِّ الْأَمْنِ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَبِيرَةٌ لَا كُفْرٌ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْأَمْنَ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ يَسْتَرْسِلُ فِي الْمَعَاصِي غَالِبًا لِعَدَمِ مُبَالَاتِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ كَبِيرَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِغَيْرِ الْأَمْنِ.
قَوْلُهُ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا} [المجادلة: ٢] إلَخْ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُ زُورًا وَالزُّورُ كَبِيرَةٌ وَيُوَافِقُهُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْكَبَائِرِ.
قَوْلُهُ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ قَالَ سم قَضِيَّةُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ كَوْنُ الدَّمِ كَبِيرَةً أَيْضًا وَلْيُتَأَمَّلْ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ أَعَمُّ مِنْ الْكَبِيرَةِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِآيَةِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] إذْ قَوْلُهُ فِيهَا {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: ٣] رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَكَوْنُ الشَّيْءِ فِسْقًا بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَبِيرَةٌ.
(قَوْلُهُ: فَفِطْرُهُ يُؤْذِنُ إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ مِنْ صَغَائِرِ الْخِسَّةِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ كَبِيرَةً وَمِثْلُ فِطْرِ رَمَضَانَ كُلُّ وَاجِبٍ غَيْرَهُ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَوْنَ فِطْرِ رَمَضَانَ كَبِيرَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّعْرِيفِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ وَعِيدٌ بِخُصُوصِهِ
قَوْلُهُ {يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٦١] أَيْ يَأْتِي بِهِ يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَوْ يَأْتِي بِمَا احْتَمَلَهُ مِنْ وَبَالِهِ (قَوْلُهُ: بِإِخَافَتِهِمْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْإِخَافَةُ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهَا قَتْلٌ أَوْ أَخْذُ مَالٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا كَبِيرَةٌ عَلَى انْفِرَادِهَا دَاخِلَةٌ فِيمَا سَبَقَ
(قَوْلُهُ: بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّيَاءِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا الضَّبْطِ خَطُّ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ كَتَبَ الرِّبَا بِالْبَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرِّيَا بِالْيَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ (قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ) أَيْ الَّذِي سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ