للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ) قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣] أَيْ مَمْسُوخٌ (وَالرِّشْوَةُ) وَهِيَ أَنْ يَبْذُلَ مَالًا لِيُحِقَّ بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلَ حَقًّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ فِي الْحُكْمِ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ فِي رِوَايَةٍ أَيْضًا «وَالرَّائِشُ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا» وَقَالَ فِيهِ بِدُونِ الزِّيَادَتَيْنِ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ بِدُونِهِمَا حَسَنٌ صَحِيحٌ أَمَّا بَذْلُ مَالٍ لِلْمُتَكَلِّمِ فِي جَائِزٍ مَعَ السُّلْطَانِ مَثَلًا فَجَعَالَةٌ جَائِزَةٌ.

(وَالدِّيَاثَةُ) وَهِيَ اسْتِحْسَانُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَفِي حَدِيثٍ «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ وَالدَّيُّوثُ وَرَجِلَةُ النِّسَاءِ» قَالَ الذَّهَبِيُّ إسْنَادٌ صَالِحٌ (وَالْقِيَادَةُ) وَهِيَ اسْتِحْسَانُ الرَّجُلِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَهِيَ مَقِيسَةٌ عَلَى الدِّيَاثَةِ (وَالسِّعَايَةُ) وَهِيَ أَنْ يَذْهَبَ بِشَخْصٍ إلَى ظَالِمٍ لِيُؤْذِيَهُ بِمَا يَقُولُهُ فِي حَقِّهِ، وَفِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ حَدِيثُ السَّاعِي مُثَلِّثٌ أَيْ مُهْلِكٌ بِسِعَايَتِهِ

ــ

[حاشية العطار]

مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ سم قَبْلُ.

(قَوْلُهُ: وَالرِّشْوَةُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً أَوْ كَانَ الْحَقُّ مَالًا دُونَ نِصَابِ السَّرِقَةِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ انْضَمَّ إلَى أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِتَبْدِيلِ الشَّرْعِ مِمَّنْ وُضِعَ لِتَنْفِيذِهِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ اهـ. سم

وَقَدْ فَشَتْ الرِّشْوَةُ الْآنَ حَتَّى كَادَتْ تُعَدُّ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي لَا يَقَعُ إنْكَارٌ بِتَعَاطِيهَا، وَلَا إظْهَارِهَا فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَمْسُوخٌ) أَيْ مُحَوَّلٌ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ إلَى قَبُولِ الْبَاطِلِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يَبْذُلَ) فِيهِ أُمُورٌ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ جَعَلَ مُسَمَّى الرِّشْوَةِ الْبَذْلَ مَعَ أَنَّ الْأَخْذَ كَبِيرَةٌ أَيْضًا.

الثَّانِي: أَنَّ نَفْسَ الْحُكْمِ بِغَيْرِ حَقٍّ يَنْبَغِي عَدُّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ انْتَفَى الْبَذْلُ الْمَذْكُورُ.

الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُحِقُّ بَاطِلًا إلَخْ يُخْرِجُ مَا إذَا أَخَذَهُ لِيُحِقَّ حَقًّا مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ.

وَلِهَذَا قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ سَوَاءٌ أَخَذَهَا عَلَى الْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ أَوْ بِالْحَقِّ (قَوْلُهُ: فَجِعَالَةٌ جَائِزَةٌ) هُوَ مَذْهَبُنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى الْجَاهِ قَالَ الْكَمَالُ وَقُيِّدَ بِالْجَائِزِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَاجِبِ كَالْمَحْبُوسِ ظُلْمًا، وَقَدْ وَقَعَ فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ نَقْلًا عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ الْمَحْبُوسَ ظُلْمًا إذَا بَذَلَ مَالًا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الرِّشْوَةِ بَلْ هُوَ عِوَضٌ حَلَالٌ كَسَائِرِ الْجِعَالَاتِ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ هُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِيَدِ ظَالِمٍ فَقَالَ إنْ خَلَّصْتَنِي مِنْهُ فَلَكَ كَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يَسْتَحِقُّهُ كَرَدِّ الْآبِقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: تَخْلِيصُهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَيَكُونُ بِالتَّخَلُّصِ مُسْقِطًا لِلْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ جُعْلًا هَذَا كَلَامُهُ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الطَّالِبُ لِلْقَضَاءِ مِمَّنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ فَلَهُ بَذْلُ الْمَالِ وَالْآخِذُ ظَالِمٌ بِالْأَخْذِ، وَهَذَا كَمَا إذَا تَعَذَّرَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا بِبَذْلِ أَعْمَالِهِ، وَهُوَ جَزْمٌ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَيَحِلُّ الْبَذْلُ لِلْجَاعِلِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْآخِذِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا عَلِمَ الْمَجْعُولُ لَهُ أَنَّ الْجَاعِلَ مَظْلُومٌ بِالْحَبْسِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الْأَخْذُ اهـ. .

(قَوْلُهُ: عَلَى أَهْلِهِ) أَيْ لِدُخُولٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ إلَّا مُجَرَّدُ الِاخْتِلَاءِ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْرَمِ وَالْمُرَادُ بِأَهْلِهِ الزَّوْجَةُ وَنَحْوُهَا كَبِنْتِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي حَدِيثِ إلَخْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، هُوَ شَطْرٌ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَسْنَدَهُ الْحَاكِمُ فَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الذَّهَبِيِّ قُصُورٌ (قَوْلُهُ: وَرَجِلَةُ النِّسَاءِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَادَةُ إلَخْ) تَبِعَ فِي تَفْسِيرِهَا الْمَذْكُورِ الزَّرْكَشِيَّ وَاَلَّذِي فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الطَّلَاقِ عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّ الْقَوَّادَ مَنْ يَحْمِلُ الرِّجَالَ إلَى أَهْلِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِالْأَهْلِ بَلْ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْحَرَامِ اهـ.

فَالْقِيَادَةُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَعْنَى الدِّيَاثَةِ وَعَلَى الثَّانِي أَعَمُّ مِنْهَا وَالْحَامِلُ لِمَنْ ذَكَرَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ خَوْفُ التَّكْرَارِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ اهـ. زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يَذْهَبُوا إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لِلسِّعَايَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ التَّكَلُّمُ فِي شَخْصٍ بِمَا يُؤْذِيهِ عِنْدَ ظَالِمٍ وَأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالظَّالِمِ إلَيْهِ أَوْ ذَهَابَهُ فَهُوَ وَحْدَهُ سِعَايَةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِيُؤْذِيَهُ) وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>