للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ فَصَغِيرَةٌ (وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ) بِلَا حَقٍّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ» إلَخْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَسَبُّ الصَّحَابَةِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ «كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ» إلَخْ الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ السَّابِينَ نَزَّلَهُمْ لِسَبِّهِمْ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِمْ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِمْ حَيْثُ عَلَّلَ بِمَا ذَكَرَهُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» أَيْ أَعْلَمْتُهُ بِأَنِّي مُحَارِبٌ لَهُ أَيْ مُعَاقِبٌ وَالصَّحَابَةُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ تَعَالَى وَسَبُّهُمْ مُشْعِرٌ بِمُعَادَاتِهِمْ أَمَّا سَبُّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَصَغِيرَةٌ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ» مَعْنَاهُ تَكَرُّرُ السَّبِّ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: أَمَّا الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ فَصَغِيرَةٌ) أَيْ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَا يُصَيِّرُهُ كَبِيرَةً كَالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَفِي مُخْتَصَرِ الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ الشَّعْرَانِيِّ قَالَ: مَنْ عَوَّدَ نَفْسَهُ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ اسْتَدْرَجَهُ الْكَذِبُ حَتَّى يَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ تُشَرِّقُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ فِيمَنْ يَكْذِبُ فِي حُكْمِهِ أَنَّهُ يُكَلَّفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعْرَتَيْنِ مِنْ نَارٍ وَذَلِكَ لِمُنَاسِبَةِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ التَّأْلِيفِ بِمَا لَا يَصِحُّ ائْتِلَافُهُ وَهَذَا مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فَمَا عَذَّبَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا بِفِعْلِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ خَصَّ الْمُسْلِمَ لِكَوْنِهِ أَفْحَشَ أَنْوَاعِهِ، وَإِلَّا فَالذِّمِّيُّ كَذَلِكَ اهـ.

قَالَ الْعِرَاقِيُّ إنْ أَرَادَ فِي التَّحْرِيمِ فَمُسَلَّمٌ أَوْ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً فَمَمْنُوعٌ اهـ. زَكَرِيَّا

قَالَ سم وَعِنْدِي أَنَّ الْأَوْجَهَ كَوْنُهُ كَبِيرَةً كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَشَمِلَ الضَّرْبَ الْيَسِيرَ وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ الضَّرْبَةَ وَالْخَدْشَةَ إذَا عَظُمَ أَلَمُهَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِوَالِدٍ أَوْ وَلِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْكَبَائِرِ (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُمَا) أَيْ فِي النَّارِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَوْ فِي الدُّنْيَا وَيَأْتِيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارِ بِالْمَغِيبَاتِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ خُصُوصًا فِي عَصْرِ تَأْلِيفِ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَثُرَ جِدًّا عِنْدَنَا بِمِصْرَ فَقَلَّ أَنْ تَجِدَ أَحَدًا مَنْسُوبًا لِلدَّوْلَةِ، وَلَوْ أَدْنَى نِسْبَةٍ إلَّا وَبِيَدِهِ شَيْءٌ يُسَمَّى الْكُرْبَاجُ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْجِلْدِ مُعَدٌّ لِضَرْبِ الْمُذْنِبِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ) أَيْ تَسْتُرُ كُلٌّ مِنْهُنَّ بَعْضَ بَدَنِهَا وَتُبْدِي بَعْضَهُ إظْهَارًا لِجَمَالِهَا وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: تَلْبَسُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ بَدَنِهَا

(قَوْلُهُ: وَسَبُّ الصَّحَابَةِ) الْمُرَادُ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ وَيُسْتَثْنَى سَبُّ الصِّدِّيقِ بِنَفْيِ الصُّحْبَةِ فَهُوَ كُفْرٌ لِتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يَلِيقُ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَالِدًا لَمْ يَعْلَمْ حُرْمَةَ سَبِّ الصَّحَابَةِ إذْ لَوْ كَانَ عَالِمًا لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ عُدُولًا (قَوْلُهُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا) أَيْ لِأَجْلِ وِلَايَتِهِ وَأَمَّا إذَا عَادَاهُ لِأَجْلِ دَعْوَى دُنْيَوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى يُشْعِرُ لَفْظُ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ أَيْ عَادَاهُ مِنْ أَجْلِ وِلَايَتِهِ (قَوْلُهُ: فَصَغِيرَةٌ) أَيْ فِي غَيْرِ ذِي الْوِلَايَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّحَابَةِ لِلْجَزْمِ بِوِلَايَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ عُدُولٌ قَالَ سم وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ سَبُّ غَيْرِ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا كَبِيرَةً حَيْثُ تَكُونُ الْغِيبَةُ كَبِيرَةً لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِيهِ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهَا بَلْ قَدْ تَكُونُ أَشَدَّ أَفْرَادِهَا أَوْ مِنْ أَشَدِّهَا وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ سَبَّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ؛ لِأَنَّ غِيبَتَهُمْ كَبِيرَةٌ وَأَنَّ غِيبَةَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ إذْ لَا يَنْحَطُّونَ عَنْهُمَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْمُنْهَمِكِينَ فِي الْمُخَالَفَاتِ إذْ هَؤُلَاءِ لَا اعْتِبَارَ بِهِمْ (قَوْلُهُ: وَبِسِبَابٍ) هُوَ مَصْدَرُ سَابَّ لِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ لِفَاعِلٍ الْفِعَالُ وَالْمُفَاعَلَةُ (قَوْلُهُ: تَكَرَّرَ السَّبُّ) أَيْ الَّذِي يُصَيِّرُهُ فِي حُكْمِ الْكَبِيرَةِ، وَلَوْ حُمِلَ السَّبُّ عَلَى مُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ كَانَ أَوْلَى، وَالْغَالِبُ أَنَّ السَّبَّ يُقْصَدُ بِهِ الزَّجْرُ وَلَا يُقْصَدُ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ بِخِلَافِ الْغِيبَةِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ عَدَمَ اتِّجَاهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>