. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية العطار]
وَتَرَدَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي تَقْيِيدِهِ بِنِصَابٍ لِسَرِقَةِ (وَخِيَانَةِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ) فِي غَيْرِ الشَّيْءِ التَّافِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: ١] وَالْكَيْلُ يَشْمَلُ الذَّرْعَ عُرْفًا أَمَّا فِي التَّافِهِ فَصَغِيرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ) عَلَى وَقْتِهَا (وَتَأْخِيرُهَا) عَنْهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالسَّفَرِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَوْلَى بِذَلِكَ تَرْكُهَا (وَالْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُجَرْجِرُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارَ جَهَنَّمَ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ كَوْنِهِمْ آكِلِينَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا فِي الْحَالِ وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: ١٠] فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُصُولَهُمْ إلَى السَّعِيرِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْجَرْجَرَةِ فِي حَالِ شُرْبِهِمْ فِي تِلْكَ الْأَوَانِي وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْجَنَّةَ قِيعَانٌ، وَإِنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» فَإِنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ غِرَاسُهَا فَكَمَا أَنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ ظَهَرَ فِي الصُّورَةِ الْقَوْلِيَّةِ الْعَرَضِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالْقَائِلِ فَكَذَا هُوَ بِعَيْنِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ يَظْهَرُ فِي الصُّورَةِ الْغَرْسِيَّةِ الْجَوْهَرِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ لَا بِشَيْءٍ آخَرَ إلَى ذَلِكَ مِنْ غَوَامِضِ الْحِكَمِ وَالْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ، وَعَلِمْت أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّأْوِيلِ كَمَا انْتَهَى إلَيْهِ نَظَرُ بَعْضِ الْوَاغِلِينَ فِي الْفَحْصِ عَنْ الْحَقَائِقِ بِطَرِيقِ الْبَحْثِ فَإِنَّهُ قُصُورٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى انْتَهَى مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ الرِّسَالَةِ الزَّوْرَاءِ وَحَاشِيَتِهَا لِلدَّوَّانِيِّ مَعَ شَيْءٍ يَسِيرٍ مِنْ شَرْحِ مُنْلَا شَيْخِ الْكُرْدِيِّ عَلَيْهَا وَحُذِفَ مِنْ الْأَصْلِ، وَهُوَ مَطْلَبٌ نَفِيسٌ عَزِيزٌ وَلِذَلِكَ ذَكَرْنَاهُ، وَلَمْ نُبَالِ بِالتَّطْوِيلِ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَيْضًا سِرُّ مَا يَقُولُهُ فُقَهَاؤُنَا فِي تَعْرِيفِ الْحَدَثِ بِأَنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ مِنْ أَنَّ الْبَصَائِرَ تُشَاهِدُهُ رَزَقَنَا اللَّهُ تَعَالَى نُورَ الْبَصَائِرِ وَالْبَصَرِ
(قَوْلُهُ: وَتَرَدَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) أَيْ كَمَا تَرَدَّدَ فِي تَقْيِيدِ شَهَادَةِ الزُّورِ بِذَلِكَ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ قَدْ نَصَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ الْكَبَائِرِ فَإِنْ وَقَعَ فِي مَالٍ خَطِيرٍ فَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ وَقَعَ فِي مَالٍ حَقِيرٍ كَزَبِيبَةٍ وَتَمْرَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الْكَبَائِرِ فِطَامًا عَنْ جِنْسِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ كَالْقَطْرَةِ مِنْ الْخَمْرِ، وَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْ الْمَفْسَدَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يُضْبَطَ ذَلِكَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ اهـ.
وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ مَعَ الْجُرْأَةِ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْمَالِ الْمَعْصُومِ جُرْأَةً عَلَى الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ التَّقْيِيدُ فِيهِ اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: وَخِيَانَةُ الْكَيْلِ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَذَا مُطْلَقُ الْخِيَانَةِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: ٥٨] قُلْت هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَالْغُلُولِ اهـ زَكَرِيَّا أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْغُلُولِ مَا يَشْمَلُ مُطْلَقَ الْخِيَانَةِ لَا خُصُوصَ الْغُلُولِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ تَهَاوُنٌ بِهَا (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) مُتَعَلِّقٌ فِي الْمَعْنَى بِكُلٍّ مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَخَرَجَ بِهِ جَمِيعُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرُ فَإِنَّ فِيهِمَا تَقْدِيمَ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ عَلَى وَقْتِهَا وَتَأْخِيرَهَا عَنْهُ
(قَوْلُهُ: مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ إلَخْ) يُسْتَثْنَى الْجَمْعُ الصُّورِيُّ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ) أَيْ نَوْعًا (قَوْلُهُ: وَالْكَذِبُ) عَلَى رَسُولِ اللَّهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِلَّا فَقَدْ ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ إلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ وَتَحْرِيمِ حَلَالٍ كُفْرٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعَمُّدِهِ فِي سِوَى ذَلِكَ اهـ. سم وَمِنْ الْكَذِبِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّحْنُ فِي كَلَامِهِ بِلَا عُذْرٍ وَمِثْلُ الْكَذِبِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ خَبَرُ مُسْلِمٍ «إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ» ؛ لِأَنَّ الْكَبَائِرَ مُتَفَاوِتَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute