للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَنَّهُ لَا يَجْرَحُ إلَّا بِقَادِحٍ، وَلَا يُكْتَفَى بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِيهَا بِالْمَشْهُودِ لَهُ (وَقَوْلُ الْإِمَامَيْنِ) أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامِ الرَّازِيّ (يَكْفِي إطْلَاقُهُمَا) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (لِلْعَالِمِ بِسَبَبِهِمَا) أَيْ مِنْهُ، وَلَا يَكْفِي مِنْ غَيْرِهِ (هُوَ رَأْيُ الْقَاضِي) الْمُتَقَدِّمُ (إذْ لَا تَعْدِيلَ وَجَرْحَ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ) بِسَبَبِهِمَا فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ ذَكَرَهُ مَعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ.

(وَالْجَرْحُ مُقَدَّمٌ) عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى التَّعْدِيلِ (إنْ كَانَ عَدَدُ الْجَارِحِ أَكْثَرَ مِنْ) عَدَدِ (الْمُعَادِلِ إجْمَاعًا، وَكَذَا إنْ تَسَاوَيَا) أَيْ عَدَدُ الْجَارِحِ وَعَدَدُ الْمُعَدِّلِ (أَوْ كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ) عَدَدًا مِنْ الْمُعَدِّلِ لِاطِّلَاعِ الْجَارِحِ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمُعَدِّلُ (وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ) مِنْ الْمَالِكِيَّةِ (يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ) فِي الْقِسْمَيْنِ كَمَا هُوَ حَاصِلٌ فِي الْأَوَّلِ بِكَثْرَةِ عَدَدِ الْجَارِحِ وَعَلَى وِزَانِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ التَّعْدِيلَ فِي الثَّالِثِ مُقَدَّمٌ (وَمِنْ التَّعْدِيلِ) لِشَخْصٍ (حُكْمٌ مُشْتَرَطٌ لِلْعَدَالَةِ) فِي الشَّاهِدِ (بِالشَّهَادَةِ) مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا عِنْدَهُ لَمَا حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ (وَكَذَا عَمَلُ الْعَالِمِ) الْمُشْتَرِطِ لِلْعَدَالَةِ

ــ

[حاشية العطار]

عِنْدَنَا رِيبَةً قَوِيَّةً اهـ. زَكَرِيَّا.

فَإِنْ قُلْت إنَّمَا يَعْتَمِدُ النَّاسُ فِي جَرْحِ الرُّوَاةِ وَرَدِّ حَدِيثِهِمْ عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَقَلَّمَا يَتَعَرَّضُونَ فِيهَا لِبَيَانِ السَّبَبِ بَلْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى مُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ ضَعِيفٌ وَفُلَانٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَوْ حَدِيثٌ غَيْرُ ثَابِتٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاشْتِرَاطُ بَيَانِ السَّبَبِ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ ذَلِكَ وَسَدِّ بَابِ الْجَرْحِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ؟ قُلْت أَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي التَّقْرِيبِ مُخْتَصَرُ كِتَابِ عُلُومِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الصَّلَاحِ إنَّ كُتُبَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ فِيهَا سَبَبُ الْجَرْحِ فَفَائِدَتُهَا التَّوَقُّفُ فِيمَنْ جَرَّحُوهُ فَإِنْ بَحَثْنَا عَنْ حَالِهِ وَانْزَاحَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ وَحَصَلَتْ الثِّقَةُ بِهِ قَبِلْنَا حَدِيثَهُ كَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْهُ) إشَارَةً إلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الْعَالِمِ بِمَعْنَى مِنْ.

(قَوْلُهُ:، وَكَذَا إنْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ) فَضَّلَهُمَا بِكَذَا؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْجَرْحِ فِيهَا لَيْسَ إجْمَاعًا بَلْ عَلَى الصَّحِيحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِاطِّلَاعِ الْجَارِحِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ الْمُعَدِّلُ عَلَى السَّبَبِ وَعَلِمَ تَوْبَتَهُ مِنْهُ قُدِّمَ عَلَى الْجَارِحِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ كَأَصْلِهِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْجَارِحُ سَبَبًا فَنَفَاهُ الْمُعَدِّلُ بِطَرِيقٍ مُعْتَبَرٍ كَأَنْ قَالَ الْجَارِحُ: قُتِلَ فُلَانٌ وَقْتَ كَذَا فَقَالَ الْمُعَدِّلُ رَأَيْتُهُ حَيًّا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ كَانَ الْقَائِلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَعَارَضَا (قَوْلُهُ: وَعَلَى وَزْنِهِ) أَيْ مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَأَفَادَ بِهَذَا أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ إنَّمَا جَعَلَ الْكَثْرَةَ مُرَجِّحَةً فِي التَّرْجِيحِ دُونَ التَّعْدِيلِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ وَعَلَى وِزَانِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ التَّعْدِيلِ) أَيْ الضِّمْنِيِّ وَمَا تَقَدَّمَ كَانَ فِي الصَّرِيحِ (قَوْلُهُ: حُكْمُ مُشْتَرِطِ الْعَدَالَةِ إلَخْ) قَالَ النَّجَّارِيُّ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْوَاقِعَةِ فَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ حُكْمٌ يَعُمُّهُ لَمْ يَكُنْ تَعْدِيلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ:، وَكَذَا عَمَلُ الْعَالِمِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ: وَعَمَلُ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَيْسَ حُكْمًا مِنْهُ بِصِحَّتِهِ، وَلَا بِتَعْدِيلِ رِوَايَةٍ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ احْتِيَاطًا أَوْ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَافَقَ ذَلِكَ الْخَبَرَ وَصَحَّحَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ حُكْمٌ بِذَلِكَ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسَالِكِ الِاحْتِيَاطِ وَفَرَّقَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَيْنَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَلَا مُخَالَفَتِهِ لَهُ قَدْحًا مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا فِي رِوَايَتِهِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَانِعٍ مِنْ مُعَارِضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ حَدِيثَ الْخِيَارِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي نَافِعٍ رِوَايَةً وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ غَيْرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَتَعَرَّضَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي فُتْيَاهُ أَوْ حُكْمِهِ أَوْ اسْتَشْهَدَ بِهِ عِنْدَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ دَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُفْتِي أَوْ الْحَاكِمُ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ أَدِلَّتِهِ بَلْ، وَلَا بَعْضَهَا وَلَعَلَّ لَهُ دَلِيلًا آخَرَ وَاسْتَأْنَسَ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْبَابِ رُبَّمَا كَانَ يَرَى الْعَمَلَ بِالضَّعِيفِ وَتَقْدِيمَهُ عَلَى الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: الْمُشْتَرِطِ لِلْعَدَالَةِ) هَذَا جَرَيَانُ خِلَافٍ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الرَّاوِي مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ خِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>