لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ دُونَ سَبَبِ التَّعْدِيلِ (وَهُوَ) أَيْ عَكْسُ الشَّافِعِيُّ (الْمُخْتَارُ فِي الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ) فِيهَا لِلْجَرْحِ كَالتَّعْدِيلِ (إذَا عُرِفَ مَذْهَبُ الْجَارِحِ)
ــ
[حاشية العطار]
مِنْ كَلَامِ الْأَوَائِلِ مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا مِنْ مُوَلَّدَاتِ الْخَوَاطِرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقَعَ الْحَافِرُ عَلَى الْحَافِرِ وَبَعْضُهَا يُوجَدُ فِي الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَكْثَرُهَا مَوْجُودٌ مَعْنَاهُ فِي كُتُبِ الصُّوفِيَّةِ وَهَبْ أَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ إلَّا فِي كُتُبِهِمْ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ مَعْقُولًا فِي نَفْسِهِ مُؤَيَّدًا بِالْبُرْهَانِ، وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْجَرَ وَيُنْكَرَ؛ لِأَنَّا لَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ وَتَطَرَّقْنَا إلَى أَنْ نَهْجُرَ كُلَّ حَقٍّ سَبَقَ إلَيْهِ خَاطِرُ مُبْطِلٍ لَلَزِمَنَا أَنْ نَهْجُرَ كَثِيرًا مِنْ الْحَقِّ وَيَتَدَاعَى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَسْتَخْرِجَ الْمُبْطِلُونَ الْحَقَّ مِنْ أَيْدِينَا لِإِيدَاعِهِمْ إيَّاهُ فِي كُتُبِهِمْ، وَأَقَلُّ دَرَجَةِ الْعَالِمِ أَنْ يَتَمَيَّزَ عَنْ الْعَامِّيِّ فَلَا يَعَافُ الْعَسَلَ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِحْجَمَةِ الْحَجَّامِ وَيَتَحَقَّقُ أَنَّ الدَّمَ مُسْتَقْذَرٌ لَا لِكَوْنِهِ فِي الْمِحْجَمَةِ بَلْ لِصِفَةٍ فِي ذَاتِهِ فَإِذَا عُدِمَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي الْعَسَلِ فَكَوْنُهُ فِي ظَرْفِهِ لَا يُكْسِبُهُ تِلْكَ الصِّفَةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ الِاسْتِقْذَارُ، وَهَذَا الْوَهْمُ الْبَاطِلُ غَالِبٌ عَلَى أَكْثَرِ الْخَلْقِ فَمَهْمَا نَسَبْت الْكَلَامَ وَأَسْنَدْتَهُ إلَى قَائِلٍ حَسُنَ فِيهِ اعْتِقَادُهُمْ قَبِلُوهُ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ أَسْنَدْته إلَى مَنْ سَاءَ فِيهِ اعْتِقَادُهُمْ رَدُّوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَدَائِمًا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ، وَلَا يَعْرِفُونَ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ
(قَوْلُهُ: لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ) إذْ رُبَّمَا أَطْلَقَ أَحَدُهُمْ الْجَرْحَ بِنَاءً عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ جَرْحًا وَلَيْسَ بِجَرْحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ لِيُنْظَرَ هَلْ هُوَ قَادِحٌ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا ظَاهِرٌ مُقَرَّرٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ كَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلِذَلِكَ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِجَمَاعَةٍ سَبَقَ مِنْ غَيْرِهِ الْجَرْحُ لَهُمْ كَعِكْرِمَةَ وَعَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَجَمَاعَةٍ اُشْتُهِرَ الطَّعْنُ فِيهِمْ وَهَكَذَا فَعَلَ أَبُو دَاوُد وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا فُسِّرَ سَبَبُهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَفْسَرَ الْجَارِحُ فَذَكَرَ مَا لَيْسَ بِجَرْحٍ، وَقَدْ عَقَدَ الْخَطِيبُ لِذَلِكَ بَابًا رَوَى فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ قَالَ قِيلَ: لِشُعْبَةَ لِمَ تَرَكْت حَدِيثَ فُلَانٍ قَالَ رَأَيْته يَرْكُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ فَتَرَكْت حَدِيثَهُ، وَرُوِيَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثٍ لِصَالِحٍ الْمُرِّيِّ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِصَالِحٍ ذَكَرُوهُ يَوْمًا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَامْتَخَطَ حَمَّادٌ وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ شُعْبَةُ أَتَيْت مَنْزِلَ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو فَسَمِعْت مِنْهُ صَوْتَ الطُّنْبُورِ فَرَجَعْت فَقِيلَ: لَهُ فَهَلَّا سَأَلْت عَنْهُ هَلْ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَقَالَ شُعْبَةُ أَيْضًا قُلْت لِلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ لِمَ لَمْ تَرْوِ عَنْ زَاذَانَ قَالَ كَانَ كَثِيرَ الْكَلَامِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ وَأَقُولُ: دَلَّ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى مَدْحِ شَخْصٍ أَوْ ذَمِّهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَتَخَلَّفُ فَكَمْ رَأَيْنَا أَقْوَامًا تَلَبَّسُوا بِصُورَةِ الصَّلَاحِ مِصْيَدَةً لِأَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَقْوَامًا بِخِلَافِهِمْ تَوَرَّعُوا عَنْ ذَلِكَ وَبِذِكْرِ سَمَاعِ الطُّنْبُورِ مِنْ بَيْتِ الرَّجُلِ أَذْكُرُ مَا أَنَا وَاقِعٌ فِيهِ وَقْتَ تَأْلِيفِي لِهَذِهِ الْحَاشِيَةِ، وَهُوَ أَنَّ جَارًا لِي يَبِيعُ الرَّقِيقَ فَقَلَّ أَنْ يَخْلُوَ بَيْتُهُ مِنْ ضَرْبِ الطَّنَابِيرِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ وَالرَّقْصِ لِتَعَلُّمِ الْجَوَارِي بِحَيْثُ إنَّ مَنْ دَخَلَ دَارِي يَسْمَعُ ذَلِكَ كَأَنَّهُ عِنْدِي لَوْلَا أَنِّي أَقُولُ لَهُ: هَذَا عِنْدَ جَارِي وَأَذْكُرُ لَهُ الْقِصَّةَ فَمَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ حَالِي لَا أُخْبِرُهُ وَمَنْ جَهِلَهَا لَا بُدَّ لِي مِنْ إخْبَارِهِ، وَإِلَّا ارْتَابَ فِي شَأْنِي قَالَ سم الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِمَّا أَشْكَلَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ اشْتِرَاطُ التَّفْصِيلِ فِي الْجَرْحِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ دُونَ التَّعْدِيلِ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ الْجَرْحِ الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَجْعَلُ شَيْئًا جَارِحًا يَجْعَلُ انْتِفَاءَهُ شَرْطًا فِي الْعَدَالَةِ وَمَنْ لَا يَجْعَلُهُ جَارِحًا لَا يَجْعَلُ انْتِفَاءَهُ شَرْطًا فِيهَا فَمَنْ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ غَيْرُ عَدْلٍ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُ جَارِحًا وَعُدِّلَ عِنْدَ مَنْ لَا يَجْعَلُهُ جَارِحًا فَكَانَ الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ الْجَرْحِ مُقْتَضِيًا لِلِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ الْعَدَالَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إذَا عُرِفَ مَذْهَبُ الْجَارِحِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْجَرْحُ بِدُونِ بَيَانِ سَبَبِهِ كَأَنْ يَقُولَ الْجَارِحُ فُلَانٌ ضَعِيفٌ أَوْ لَيْسَ بِشَيْءٍ، نَعَمْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ إنَّ هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ فِي إثْبَاتِ الْجَرْحِ لَكِنَّا نَعْتَمِدُهُ فِي التَّوَقُّفِ عَنْ قَبُولِ خَبَرِ مَنْ قُبِلَ فِيهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ أَوْقَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute