الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ سَبَبِهِمَا فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ بِهِ (وَقِيلَ: يَذْكُرُ سَبَبَهُمَا) ، وَلَا يَكْفِي إطْلَاقُهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجْرَحَ بِمَا لَيْسَ بِجَرْحٍ وَأَنْ يُبَادِرَ إلَى التَّعْدِيلِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (وَقِيلَ:) يَذْكُرُ سَبَبَ التَّعْدِيلِ فَقَطْ أَيْ دُونَ سَبَبِ الْجَرْحِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْجَرْحِ يُبْطِلُ الثِّقَةَ وَمُطْلَقُ التَّعْدِيلِ لَا يُحَصِّلُهَا لِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ (وَعَكَسَ الشَّافِعِيُّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ يَذْكُرُ سَبَبَ الْجَرْحِ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ) قِيلَ: الْأَوْلَى الْجُرْحَةُ وَالْعَدَالَةُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِجَعْلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مَصْدَرَيْ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ أَوْ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ أَثَرُ الْجَرْحِ وَأَثَرُ التَّعْدِيلِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا) أَيْ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَقْوَالِ فِيمَنْ خَفِيَ أَمْرُهُ أَمَّا مَا اُسْتُفِيضَتْ عَدَالَتُهُ وَشَاعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِهَا كَمَالِكٍ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ، وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فَقَالَ: مِثْلُ إِسْحَاقَ يُسْأَلُ عَنْهُ وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ مِثْلِي يُسْأَلُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَبُو عُبَيْدٍ يُسْأَلُ عَنْ النَّاسِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ) ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ يَكْثُرُ التَّصَنُّعُ فِيهَا فَيَبْنِي الْمُعَدِّلُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَقَدْ يُوَثِّقُ الْمُعَدِّلُ بِمَا لَا يَقْتَضِي الْعَدَالَةَ كَمَا رَوَى يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ فِي تَارِيخِهِ قَالَ سَمِعْت إنْسَانًا يَقُولُ لِأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ: عَبْدُ اللَّهِ الْمَعْمَرِيُّ ضَعِيفٌ فَقَالَ: إنَّمَا يُضَعِّفُهُ رَافِضِيٌّ لَوْ رَأَيْت لِحْيَتَهُ وَهَيْئَتَهُ لَعَرَفْت أَنَّهُ ثِقَةٌ، فَاسْتَدَلَّ عَلَى ثِقَتِهِ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ حُسْنَ الْهَيْئَةِ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَدْلُ وَغَيْرُهُ اهـ.
أَقُولُ وَأَقْوَى شَاهِدٍ عَلَى ذَلِكَ قِصَّةُ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ يَحْتَرِمُهُ لِحُسْنِ زِيِّهِ فَلَا يَمُدُّ رِجْلَهُ، وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ يَسْتَرِيحُ بِمَدِّهَا لِأَلَمٍ بِهَا فَيَتَضَرَّرُ احْتِشَامًا لِذَلِكَ الرَّجُلِ فَقَالَ يَوْمًا: مَتَى يُفْطِرُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ: إذَا لَمْ تَغْرُبْ فَقَالَ يَمُدُّ الشَّافِعِيُّ رِجْلَهُ هَكَذَا وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ قِصَّةُ الْفَارَابِيِّ مَعَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ بِزِيِّ التَّتَارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تُرْكِيًّا وَجَلَسَ بِجَانِبِهِ فَاحْتَقَرَهُ وَاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ حَتَّى ظَهَرَ فَضْلُهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ وَهَذَا الْوَقْتُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ جَرَى عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ مِنْ اعْتِقَادِ النَّاسِ مَا لَيْسَ فِي الْمُعْتَقِدِ اعْتِمَادًا عَلَى ضَخَامَةِ جِسْمِهِ وَمَلَابِسِهِ أَوْ لِتَصَنُّعِهِ حَتَّى انْتَهَى. الْحَالُ إلَى أَنَّهُ مَتَى أُسْنِدَ قَوْلٌ لِذَلِكَ الْمُعْتَقِدِ جُعِلَ اعْتِمَادًا لِنِسْبَتِهِ لِذَلِكَ الْقَائِلِ فَنَحْنُ الْآنَ نَعْرِفُ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ لَا الرِّجَالَ بِالْحَقِّ وَلْنَعْلَمْ مَا قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمُنْقِذِ مِنْ الضَّلَالِ أَنَّ عَادَةَ ضُعَفَاءِ الْعُقَلَاءِ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ لَا الرِّجَالَ بِالْحَقِّ فَالْعَاقِلُ يَعْرِفُ الْحَقَّ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي نَفْسِ الْقَوْلِ فَإِنْ كَانَ حَقًّا قَبِلَهُ سَوَاءٌ كَانَ قَائِلُهُ مُبْطِلًا أَوْ مُحِقًّا بَلْ رُبَّمَا يَخُوضُ عَلَى انْتِزَاعِ الْحَقِّ مِنْ تَضَاعِيفِ كَلَامِ أَهْلِ الضَّلَالِ عَالِمًا بِأَنَّ مَعْدِنَ الذَّهَبِ الرِّغَامُ
وَلَا بَأْسَ عَلَى الصَّرَّافِ إنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكِيسِ وَانْتَزَعَ الْإِبْرِيزَ الْخَالِصَ مِنْ الزَّيْفِ مَهْمَا كَانَ وَاثِقًا لِبَصِيرَتِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْأَحْمَقُ الْأَخْرَقُ دُونَ السَّبَّاحِ الْحَاذِقِ وَلَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى بَعْضِ الْكَلِمَاتِ الْمَثْبُوتَةِ فِي تَصَانِيفِنَا فِي أَسْرَارِ عُلُومِ الدِّينِ مَنْ لَمْ تَسْتَحْكِمْ فِي الْعُلُومِ مَنَابِرُهُمْ، وَلَمْ تَنْفَتِحْ إلَى أَقْصَى غَايَاتِ الْمَذَاهِبِ بَصَائِرُهُمْ وَزَعَمُوا أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute