للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَجْهُ الْمَنْعِ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ لِكَوْنِهِ ظَنِّيًّا فِي الْأَغْلَبِ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِأَرْجَحَ مِنْهُ فَلَوْ جَازَ الْإِجْمَاعُ عَنْهُ لَجَازَ مُخَالَفَتُهُ الْإِجْمَاعَ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الْقِيَاسِ إذَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ قِيَاسًا عَلَى لَحْمِهِ وَعَلَى إرَاقَةِ نَحْوِ الزَّيْتِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ قِيَاسًا عَلَى السَّمْنِ.

(وَ) عُلِمَ (أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ) أَيْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرٍ (عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) لَهُمْ (قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ) بَيْنَهُمْ بِأَنَّ قَصَرَ الزَّمَانُ بَيْنَ الِاخْتِلَافِ وَالِاتِّفَاقِ (جَائِزٌ وَلَوْ) كَانَ الِاتِّفَاقُ (مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَهُمْ) إنْ مَاتُوا وَنَشَأَ غَيْرُهُمْ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ جَوَازُهُ أَيْضًا لِصِدْقِ تَعْرِيفِ الْإِجْمَاعِ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاتِّفَاقَيْنِ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ مُسْتَنَدٌ جَلِيٌّ يُجْمِعُونَ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية العطار]

بِتَزْكِيَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠] وَقَالَ تَعَالَى {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: ١٤٣] وَمَنَعَ مَانِعُونَ هَذَا الْفَرْقَ وَقَالُوا لَمْ يَزَلْ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً فِي الْمِلَلِ قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَسْت أَدْرِي كَيْفَ كَانَ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ مُوجِبٌ عَقْلِيٌّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَلَا عَلَى وُجُوبِ الْفَرْقِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قَاطِعٌ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ فَلَا وَجْهَ إلَّا التَّوَقُّفُ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ إذَا قَطَعُوا فَقَوْلُهُمْ فِي كُلِّ مِلَّةٍ يَسْتَنِدُ إلَى حُجَّةٍ قَاطِعَةٍ، فَإِنَّ تَلَقِّي هَذَا مِنْ قَضَايَا الْعَادَاتِ، وَالْعَادَاتُ لَا تَخْتَلِفُ إلَّا إذَا انْخَرَمَتْ.

وَأَمَّا إذَا فُرِضَ إجْمَاعُ مَنْ قَبْلَنَا عَلَى مَظْنُونٍ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ فَالْوَجْهُ الْآنَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّا لَا نَدْرِي أَنَّ الْمَاضِينَ هَلْ كَانُوا يُبَكِّتُونَ مَنْ كَانَ يُخَالِفُ مِثْلَ هَذَا الْإِجْمَاعِ أَمْ لَا، وَقَدْ تَحَقَّقْنَا التَّبْكِيتَ فِي مِلَّتِنَا اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ وَالْخَفِيِّ وَالْجَلِيِّ (قَوْلُهُ: كَكَوْنِهِ ظَنِّيًّا فِي الْأَغْلَبِ) غَيْرُ الْأَغْلَبِ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقِيَاسِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْجُمْلَةِ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الدَّعْوَى أَيْضًا (قَوْلُهُ: الْإِجْمَاعُ عَنْهُ) أَيْ النَّاشِئُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ أَجْمَعَ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ بِالْوُقُوعِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْجَوَازُ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: وَعَلَى إرَاقَةِ نَحْوِ الزَّيْتِ) كَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِر الْقَوْلَ بِقَبُولِ التَّطْهِيرِ.

وَقَدْ قِيلَ بِهِ وَمِنْ غَرَائِبِ الْمَنْقُولِ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ كَانَ يُلْحِقُ الزَّيْتَ بِالْمَاءِ فَيَعْتَبِرُهُ بِالْقُلَّتَيْنِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مُغَيِّرَةٍ، وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْهُ أَيْضًا السَّمْنَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَمْعَ الْمَائِعَاتِ سَوَاءٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا وَنَقْلِهِ عَنْ الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ فِي كِتَابِ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْمَائِعِ وَفِي هَذَا الْفَرْقِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ الْقُلَّتَيْنِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنَجَّسَ بِيَسِيرِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَائِعِ الْكَثِيرِ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْقُلَّتَيْنِ لَا مَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِجَوَازِهِ فِي الْإِنَاءِ، أَمَّا لَوْ فُرِضَ أَنْ خَلَقَ اللَّهُ بَحْرًا مِنْ زَيْتٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِ بِوُقُوعِ مَا لَا يُغَيِّرُهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ فَإِنَّ الْمَحْكُومَ بِنَجَاسَتِهِ إنَّمَا هُوَ مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَا وُجُودَ لَهَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ السَّابِقُونَ فِيهَا وَلَكِنْ يُرْشِدُ إلَيْهَا الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ اهـ.

كَلَامُهُ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ وَلَكِنَّ الْعَمَلَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَائِعَاتِ عِنْدَنَا عَلَى تَنَجُّسِهَا مُطْلَقًا قُلْت أَوْ كَثُرَتْ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَلَوْ يَسِيرَةً قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَنْهَجِهِ وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: قِيَاسًا عَلَى السَّمْنِ) هَذَا قِيَاسٌ بِعَدَمِ الْفَارِقِ وَهُوَ لَا يُسَمَّى قِيَاسًا حَقِيقَةً.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ) أَيْ قَبْلَ ثَبَاتِهِ وَقُوَّتِهِ بِطُولِ الزَّمَنِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ مَاتُوا إلَخْ) هَذَا بَيَانٌ لِلِاتِّفَاقِ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا لِاسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَمُوتُونَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُعْلَمُ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنْ لَوْ لَيْسَتْ وَصْلِيَّةً بَلْ شَرْطِيَّةٌ جَوَابُهَا مَحْذُوفٌ إذْ لَوْ كَانَتْ وَصْلِيَّةً لَأَفَادَتْ حُصُولَ الِاتِّفَاقِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَلَا يُعْقَلُ (قَوْلُهُ: جَوَازُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا عُلِمَ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ (قَوْلُهُ: لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ إلَخْ) أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ.

وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّ قِصَرَ الزَّمَنِ نَزَّلَهُمْ كَأَنَّهُمْ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ فِيهِ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: مِنْ هَذَيْنِ الِاتِّفَاقَيْنِ) أَيْ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعَصْرِ بَعْدَ خِلَافِهِمْ وَاتِّفَاقِ مَنْ بَعْدَهُمْ (قَوْلُهُ: أَنْ يَظْهَرَ مُسْتَنَدٌ) أَيْ لِلْقَوْلِ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مُقْتَضَاهُ أَيْ عَلَى الْحُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>