للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَحْدَةِ الصَّانِعِ لِشُمُولِ أَيْ أَمْرِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِهِ لِذَلِكَ أَمَّا مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ كَثُبُوتِ الْبَارِي وَالنُّبُوَّةِ فَلَا يُحْتَجُّ فِيهِ بِإِجْمَاعٍ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ.

(وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِجْمَاعِ (إمَامٌ مَعْصُومٌ) وَقَالَ الرَّوَافِضُ يُشْتَرَطُ وَلَا يَخْلُو الزَّمَانُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ وَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ فَقَطْ، وَغَيْرُهُ تَبَعٌ لَهُ.

ــ

[حاشية العطار]

إثْبَاتِ حُدُوثِ الْعَالَمِ بِالْإِجْمَاعِ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْإِجْمَاعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى النُّبُوَّةِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَهُوَ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّا نُثْبِتُ بِإِجْمَاعٍ حُدُوثَ الْأَجْسَامِ، وَالْعِلْمُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ يُمْكِنُ اكْتِسَابُهُ بِحُدُوثِ الْأَعْرَاضِ فَلَا دَوْرَ

قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالْحَقُّ أَنَّ إثْبَاتَ الصَّانِعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ حُدُوثِ شَيْءٍ مَا بِمَعْنَى مَسْبُوقِيَّتِهِ بِالْعَدَمِ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ مَشَايِخِ أَهْلِ السُّنَّةِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْعَالَمِ مُمْكِنًا إذْ لَا بُدَّ لِلْمُمْكِنِ لِاسْتِوَاءِ طَرَفَيْ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ مِنْ مُرَجِّحٍ وَاجِبِ الْوُجُودِ وَلَوْ بِالْآخِرَةِ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ أَوْ التَّسَلْسُلُ كَمَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَالْحِكْمَةِ وَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُ الصَّانِعِ بِإِمْكَانِ الْعَالَمِ، ثُمَّ نَعْلَمُ حَقِيقَةَ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ الْإِجْمَاعَ، ثُمَّ حُدُوثَ الْعَالَمِ، وَكَذَا يُمْكِنُنَا إثْبَاتُ وَحْدَةِ الصَّانِعِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَوَقِّفِ حُجِّيَّتُهُ عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ لَا عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ قَالَ وَالدَّلِيلُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْعَمَلُ لِثُبُوتِهِمَا بِهِ قَبْلَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً إذْ ذَاكَ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.

وَهُوَ كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَالْمَتَانَةِ لَا مَا قَرَّرَهُ هُنَا الشِّهَابُ عَمِيرَةُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ سم (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ) لِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى بَعْثَةِ الرُّسُلِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْبَارِي فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ وَفِي النُّبُوَّةِ ظَاهِرٌ إذْ الْإِجْمَاعُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُو الزَّمَانُ عَنْهُ) أَيْ لَا يَخْلُو زَمَانُ التَّكْلِيفِ عَنْ إمَامٍ مَعْصُومٍ؛ لِأَنَّهُ لُطْفٌ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ عِنْدَهُمْ وَالْإِجْمَاعُ لِكَوْنِهِ رَأْيُ جَمِيعِ الْأُمَّةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَالْحُجَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُمْ لَا الْإِجْمَاعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ الْمُنْقِذُ مِنْ الضَّلَالِ حِينَ تَعَرَّضَ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ أَنَّهُ لَا حَاصِلَ عِنْدَهُمْ وَلَا طَائِلَ لِكَلَامِهِمْ، وَلَوْلَا سُوءُ نُصْرَةِ الصَّدِيقِ الْجَاهِلِ لَمَا انْتَهَتْ تِلْكَ الْبِدْعَةُ مَعَ ضَعْفِهَا إلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ لَكِنَّ شِدَّةَ التَّعَصُّبِ دَعَا الذَّابِّينَ عَنْ الْحَقِّ إلَى تَطْوِيلِ النِّزَاعِ مَعَهُمْ فِي مُقَدِّمَاتِ كَلَامِهِمْ وَإِلَى مُجَاهَدَتِهِمْ فِي كُلِّ مَا نَطَقُوا بِهِ فَجَاحَدُوهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ الْحَاجَةَ إلَى التَّعْلِيمِ وَإِلَى الْمُعَلِّمِ وَضَعُفَ قَوْلُ الْمُنْكَرِينَ فِي مُقَابَلَتِهِ، اعْتَبَرَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ مَذْهَبِهِمْ وَضَعْفِ مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ لَهُ، وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّ ذَلِكَ الضَّعْفَ نَاصِرٌ الْحَقَّ وَجَهْلٌ بِطَرِيقِهِ، بَلْ الصَّوَابُ الِاعْتِرَافُ بِالْحَاجَةِ إلَى الْمُعَلِّمِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعَلِّمُ مَعْصُومًا وَلَكِنَّ مُعَلِّمَنَا الْمَعْصُومَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا قَالُوا هُوَ مَيِّتٌ فَنَقُولُ وَمُعَلِّمُكُمْ غَائِبٌ فَإِذَا قَالُوا وَمُعَلِّمُنَا قَدْ عَلَّمَ الدُّعَاةَ وَبَثَّهُمْ فِي الْبِلَادِ وَأَكْمَلَ التَّعْلِيمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] وَبَعْدَ كَمَالِ التَّعْلِيمِ لَا يَضُرُّ مَوْتُ الْمُعَلِّمِ كَمَا لَا تَضُرُّ غَيْبَتُهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ كَثِيرٍ إنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الشِّفَاءِ الْمُنْجِي مِنْ ظُلُمَاتِ الْآرَاءِ شَيْءٌ بَلْ هُمْ مَعَ عَجْزِهِمْ عَنْ إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى تَعْيِينِ الْإِمَامِ طَالَمَا جَارَيْنَاهُمْ فَصَدَّقْنَاهُمْ فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّعْلِيمِ وَإِلَى الْمُعَلِّمِ الْمَعْصُومِ وَأَنَّهُ الَّذِي عَيَّنُوهُ، ثُمَّ سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الْعِلْمِ الَّذِي تَعَلَّمُوهُ مِنْهُ وَعَرَضْنَا عَلَيْهِمْ إشْكَالَاتٍ فَلَمْ يَفْهَمُوهَا فَضْلًا عَنْ الْقِيَامِ بِحَلِّهَا فَلَمَّا عَجَزُوا أَحَالُوا عَنْ الْإِمَامِ الْغَائِبِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السَّفَرِ إلَيْهِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ ضَيَّعُوا عُمُرَهُمْ فِي طَلَبِ الْمُعَلِّمِ وَفِي التَّبَجُّحِ بِالظَّفْرِ بِهِ وَلَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْهُ شَيْئًا أَصْلًا كَالْمُضَمَّخِ بِالنَّجَاسَةِ يَتْعَبُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ حَتَّى إذَا وَجَدَهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا عَنْ عِلْمِهِمْ وَكَانَ حَاصِلُ مَا يَذْكُرُهُ شَيْئًا مِنْ رَكِيكِ فَلْسَفَةِ فِيثَاغُورْسَ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ قُدَمَاءِ الْأَوَائِلِ وَمَذْهَبُهُ أَرَكُّ مَذَاهِبِ الْفَلَاسِفَةِ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ أرسطاطاليس بَلْ اسْتَرَكَّ كَلَامَهُ وَأَسْتَرَ ذُلَّهُ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ فِي كِتَابِ إخْوَانِ الصَّفَا وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ حَشْوُ الْفَلْسَفَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>