بِمَعْنَى أَنَّهُ مُرَجَّحٌ بِتَرْكِهِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ مُحِيلٌ لَهُ وَكَيْفَ يُحِيلُهُ إذَا ظُنَّ الصَّوَابَ فِيهِ (وَ) مَنَعَهُ (ابْنُ حَزْمٍ شَرَعَا) قَالَ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ بِالْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى اسْتِنْبَاطٍ وَقِيَاسٍ قُلْنَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (وَ) مَنَعَ (دَاوُد غَيْرَ الْجَلِيِّ) مِنْهُ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: قُلْنَا بِمَعْنَى إلَخْ) أَيْ نُسَلِّمُ مَنْعَ الْعَقْلِ لَكِنْ بِمَعْنَى إحَالَتِهِ كَمَا اُدُّعِيَتْ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُرَجَّحٌ فَالدَّلِيلُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهَذَا لَا يُؤْخَذُ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُرَجِّحُ الْعَقْلُ الْعَمَلَ بِهِ إذَا جَزَمَ بِعَدَمِ الْفَارِقِ (قَوْلُهُ: لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ مُحِيلٌ لَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُخَالِفَ يَقُولُ إنَّهُ مُحَالٌ عَقْلًا وَلَا صِحَّةَ لَهُ لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ الْعَمَلُ بِهِ لَكِنْ فِيهِ شَائِبَةُ تَحْكِيمِ الْعَقْلِ (قَوْلُهُ: وَكَيْفَ يُحِيلُهُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ لِمَا قُلْنَا وَكَيْفَ يَكُونُ مُرَجِّحًا لِتَرْكِهِ إذَا ظُنَّ إلَخْ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ الْأَسْبَابُ فَإِنَّ تَرَتُّبَ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَيْهَا مَظْنُونٌ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ مَانِعٍ (قَوْلُهُ: وَابْنُ حَزْمٍ) اسْمُهُ عَلِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ تَرْجَمَهُ الْعَلَّامَةُ الْمُقْرِي فِي تَارِيخِهِ نَفْحِ الطِّيبِ تَرْجَمَةً وَاسِعَةً مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَهُ بَاعٌ وَاسِعٌ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ مَعَ كَمَالِ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ إلَّا أَنَّهُ أَطْلَقَ لِسَانَهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَعْلَامِ الدِّينِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ وَلَا بِشَأْنِهِمْ، لَا جَرَمَ أَنَّهُ نُسِبَ لِلْبِدْعَةِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ مَنْ بَعْدَهُ فَكَانَ الْحَالُ كَمَا قِيلَ مَنْ قَالَ شَيْئًا قِيلَ فِيهِ بِمِثْلِهِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ النُّصُوصَ) هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا شَرْعًا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ وَرَدَ دَلِيلٌ يَمْنَعُهُ بَلْ نَحْنُ مَأْمُورُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يُنْتِجُ الْمَنْعَ الْمَطْلُوبَ، وَإِنَّمَا يُنْتِجُ عَدَمُهُ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِالْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ) أَيْ بِسَبَبِهَا مَثَلًا الْخَمْرُ لُغَةً لِكُلِّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلْمُتَّخَذِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ لِقِيَاسِ غَيْرِ الْمُتَّخَذِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ) فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْعِبْ جَمِيعَ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّهُ وَرَدَ النَّصُّ الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، وَلَمْ يَرِدْ الرُّزُّ بِالرُّزِّ وَلَا يَشْمَلُهُ الْبُرُّ إلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ وَمَنَعَ دَاوُد) هُوَ دَاوُد بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ إمَامُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وُلِدَ سَنَةَ مِائَتَيْنِ، وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُدَاتِهِمْ وَلَهُ فَضَائِلُ الشَّافِعِيِّ مُصَنَّفَاتٌ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْقَعْنَبِيَّ وَعَمْرَو بْنَ مَرْزُوقٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ الْعَبْدِيَّ وَمُسَدَّدًا وَأَبَا ثَوْرٍ الْفَقِيهَ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ رَحَلَ إلَيْهِ إلَى نَيْسَابُورَ فَسَمِعَ مِنْهُ الْمُسْنَدَ وَالتَّفْسِيرَ وَجَالَسَ الْأَئِمَّةَ وَصَنَّفَ الْكِتَابَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ كَانَ إمَامَ النَّاسِ وَرِعًا نَاسِكًا زَاهِدًا وَفِي كُتُبِهِ حَدِيثٌ كَثِيرٌ لَكِنْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ عَزِيزَةٌ جِدًّا رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الدَّرَاوَرْدِيُّ الْفَقِيهُ وَغَيْرُهُمْ قِيلَ كَانَ فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُمِائَةِ صَاحِبِ طَيْلَسَانٍ أَخْضَرَ وَكَانَ مِنْ الْمُتَعَصِّبِينَ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْتَهَتْ إلَيْهِ رِيَاسَةُ الْعِلْمِ بِبَغْدَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute