للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الْجَلِيِّ الصَّادِقِ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَاقْتَصَرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْكِرُ قِيَاسُ الْأَوْلَى وَهُوَ مَا يَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ فِي الْفَرْعِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْأَصْلِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) مَنَعَهُ (أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالرُّخَصِ وَالتَّقْدِيرَاتِ) قَالَ

ــ

[حاشية العطار]

وَأَصْلُهُ مِنْ أَصْفَهَانَ وَمَوْلِدُهُ بِالْكُوفَةِ وَمُنْشَؤُهُ بِبَغْدَادَ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالْمُسْتَمْلِي رَأَيْت دَاوُد بْنَ عَلِيٍّ يَرُدُّ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَمَا رَأَيْت أَحَدًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ هَيْبَةً لَهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ سَمِعْت دَاوُد بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ دَخَلْت عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ يَحْتَجِمُ فَجَلَسْت فَرَأَيْت كُتُبَ الشَّافِعِيِّ فَأَخَذْت أَنْظُرُ فِيهَا فَصَاحَ أَيُّ شَيْءٍ تَنْظُرُ؟ فَقُلْت مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ فَجَعَلَ يَضْحَكُ. سُئِلَ عَنْ الْخُنْثَى إذَا مَاتَ مَنْ يُغَسِّلُهُ فَقَالَ يُغَسِّلُهُ الْخَدَمُ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُعَاصِرِينَ إنَّهُ يَتَيَمَّمُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ جَوَابُ دَاوُد بِبَالِغٍ فِي الْإِنْكَارِ، فِي مَذْهَبِنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَآخَرُ نَشْتَرِي مِنْ تَرِكَتِهِ جَارِيَةً لِتُغَسِّلَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُغَسِّلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا لِلضَّرُورَةِ وَاسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاعْتِدَادِ بِخِلَافِ دَاوُد وَأَتْبَاعِهِ فِي الْفُرُوعِ وَعَدَمِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ آخِرًا.

ثَانِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ رَأْيُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ حَيْثُ قَالَ قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّهُمْ يَعْنِي نُفَاةَ الْقِيَاسِ لَا يَبْلُغُونَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ الْقَضَاءَ وَأَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرَهُ مِنْ الشَّافِعِيِّينَ لَا يَعْتَدُّونَ بِخِلَافِهِمْ فِي الْفُرُوعِ وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَعَزَاهُ إلَى أَهْلِ التَّحْقِيقِ فَقَالَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ لَا يُقِيمُونَ لِأَهْلِ الظَّاهِرِ وَزْنًا، وَقَالَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ مِنْ النِّهَايَةِ كُلُّ مَسْلَكٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَصْحَابُ الظَّاهِرِ عَنْ الْقِيَاسِيِّينَ فَالْحُكْمُ بِحَسَبِهِ مَنْقُوضٌ قَالَ وَيَحِقُّ. قَالَ حَبْرُ الْأُصُولِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنِّي لَا أَعُدُّهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَلَا أُبَالِي بِخِلَافِهِمْ وَلَا وِفَاقِهِمْ، وَقَالَ فِي بَابِ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فِي السَّرِقَةِ كَرَّرْنَا فِي بَابِ " مَوَاضِيعُ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ " أَنَّ أَصْحَابَ الظَّاهِرِ لَيْسُوا مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ، وَإِنَّمَا هُمْ نَقَلَةٌ إنْ ظَهَرَتْ الثِّقَةُ اهـ.

ثَالِثُهَا أَنَّ قَوْلَهُمْ مُعْتَبَرٌ إلَّا فِيمَا خَالَفَ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ رَأْيُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ وَسَمَاعِي عَنْ الشَّيْخِ الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الَّذِي صَحَّ عِنْدَهُ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُنْكِرُ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، وَإِنْ نَقَلَ إنْكَارَهُ عَنْهُ نَاقِلُونَ قَالَ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُ الْخَفِيَّ فَقَطْ قَالَ وَمُنْكِرُ الْقِيَاسِ مُطْلَقًا جَلِيِّهِ وَخَفِيِّهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ زَعِيمُهُمْ ابْنُ حَزْمٍ اهـ.

مِنْ طَبَقَاتِ الْمُصَنِّفِ بِاخْتِصَارِهِ، وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَقَفْت عَلَى مُصَنَّفٍ لِدَاوُدَ نَفْسِهِ وَهُوَ رِسَالَةٌ أَرْسَلَهَا إلَى الْمُزَنِيّ لَيْسَ فِيهَا إلَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى نَفْيِ الْقِيَاسِ، ثُمَّ حَرَصْت كُلَّ الْحِرْصِ عَلَى أَنْ أُبْصِرَ فِيهَا تَفْرِقَةً بَيْنَ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ أَوْ تَصْرِيحِهِ بِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ فَلَمْ أَجِدْ مَا يَدُلُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذِهِ الرِّسَالَةُ عِنْدِي بِخَطٍّ قَدِيمٍ مَكْتُوبٍ قَبْلَ الثَّلَاثِمِائَةِ، وَقَدْ قَرَأْت مِنْهَا عَلَى الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَثِيرًا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَوْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ، ثُمَّ الْآنَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَعَدْت النَّظَرَ فِيهَا لَأَرَى ذَلِكَ فَلَمْ أَرَهُ وَعِنْدِي مُخْتَصَرٌ لَطِيفٌ لِدَاوُدَ أَيْضًا فِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقِيَاسَ لَكِنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ الْأَقْيِسَةِ الْجَلِيَّةِ سَمَّاهَا الِاسْتِنْبَاطَ فَلَعَلَّ هَذَا مَأْخَذُ الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا كَانَ يَنْقُلُهُ عَنْهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْجَلِيِّ) قَالَ الْآمِدِيُّ أَمَّا الْجَلِيُّ وَهُوَ مَا كَانَ الْمُلْحَقُ أَوْلَى مِنْ الْمُلْحَقِ بِهِ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ قَالَهُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ اهـ. خَالِدٌ

(قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ فِي شَرْحِ إلَخْ) أَيْ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُنْكِرُ الْمُسَاوِيَ فَيُخَالِفُ مَا هُنَا

(قَوْلُهُ: وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحُدُودِ) أَيْ مَنَعَ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْحَدِّ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ فَفِي تَعْلِيلِيَّةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ نَحْنُ وَإِنْ وَافَقْنَاهُ فِي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ لَا نُطْلِقُهُ بَلْ نُقَيِّدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُدْرَكْ الْمَعْنَى فِيمَا مَنَعُوهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْجَوَابِ اهـ.

قَالَ سم وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ مِنْ أَنَّ الرُّخَصَ يُقْتَصَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>