لِأَنَّهَا لَا يُدْرَكُ الْمَعْنَى فِيهَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُدْرَكُ فِي بَعْضِهَا فَيَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ كَقِيَاسِ النَّبَّاشِ عَلَى السَّارِقِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ بِجَامِعِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ حِرْزٍ خُفْيَةً وَقِيَاسِ الْقَاتِلِ عَمْدًا عَلَى الْقَاتِلِ خَطَأً فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقِيَاسِ غَيْرِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ الَّذِي هُوَ رُخْصَةٌ بِجَامِعِ الْجَامِدِ الطَّاهِرِ الْقَالِعِ
وَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ عَنْ الْقِيَاسِ بِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ وَسَمَّاهُ دَلَالَةَ النَّصِّ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْهُ وَقِيَاسِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْكَفَّارَةِ فِي تَقْرِيرِهَا عَلَى الْمُوسِرِ بِمُدَّيْنِ كَمَا فِي فِدْيَةِ الْحَجِّ وَالْمُعْسِرِ بِمُدٍّ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْوِقَاعِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَالٌ يَجِبُ بِالشَّرْعِ وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ وَأَصْلُ التَّفَاوُتِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: ٧] الْآيَةَ
ــ
[حاشية العطار]
فِيهَا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ مَمْنُوعٌ عَلَى إطْلَاقِهِ فَتَفَطَّنْ لَهُ، ثُمَّ إنَّ إمَامَنَا الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَ لَهُمْ مُنَاقَضَاتٍ فِي هَذَا الْبَابِ فَأَمَّا الْحُدُودُ فَإِنَّهُمْ قَاسُوا فِيهَا حَتَّى عَدُّوهَا إلَى الِاسْتِحْسَانِ فَأَوْجَبُوا الْحَدَّ عَلَى شَخْصٍ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَعَيَّنَ كُلُّ شَخْصٍ مِنْهُمْ رِوَايَةً مَعَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْعَقْلِ فَلَأَنْ نَعْمَلَ فِيهِ بِمَا يُوَافِقُ الْعَقْلَ أَوْلَى.
وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَقَاسُوا فِيهَا الْإِفْطَارَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَى الْإِفْطَارِ بِالْجِمَاعِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ نَاسِيًا عَلَى قَتْلِهِ عَامِدًا مَعَ تَقْيِيدِ النَّصِّ بِالْعَمْدِ، وَأَمَّا الْمُقَدَّرَاتُ فَقَالُوا فِي الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا الْحَيَوَانُ فَيَنْزَحُ مِنْهَا لِلدَّجَاجَةِ مِائَةَ دَلْوٍ مَثَلًا وَلِلْفَأْرَةِ خَمْسِينَ دَلْوًا وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا، وَأَمَّا الرُّخَصُ فَقَاسُوا فِيهَا أَيْضًا فَإِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَحْجَارِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ رُخْصَةٌ وَقَاسُوا عَلَيْهِ سَائِرَ النَّجَاسَاتِ فَخَالَفُوا دَعْوَاهُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا يُدْرَكُ الْمَعْنَى فِيهَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَهَا مَعْنًى وَلَكِنْ لَا يُدْرَكُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ التَّعَبُّدِيَّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْنًى لِاسْتِحَالَةِ الْعَبَثِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ الْمَعْنَى لِدِقَّتِهِ لَا يُدْرَكُ وَالْمُرَادُ الْمَعْنَى الَّذِي يُجْعَلُ جَامِعًا وَهِيَ الْعِلَّةُ الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ: فِي بَعْضِهَا) أَيْ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَيُقَالُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَلَا تَتِمُّ كُلِّيَّةُ السَّلْبِ، وَقَدْ مَثَّلَ لِكُلٍّ مِنْهَا بِمِثَالٍ (قَوْلُهُ: كَقِيَاسِ النَّبَّاشِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ آخِذٌ لِلْأَكْفَانِ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهَا فَلَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ مَعَ تَنَاوُلِ النَّصِّ لَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى السَّارِقِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْقَبْرِ (قَوْلُهُ: مِنْ حِرْزٍ إلَخْ) أَيْ وَالْقَبْرُ حِرْزٌ لِمَا وُضِعَ فِيهِ مِمَّا كَانَ مُبَاحًا وَالْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْوَرَثَةُ فِي الْكَفَنِ فَإِنَّ لَهُمْ تَقْدِيرًا لَوْ فُرِضَ أَنْ لَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ (قَوْلُهُ: فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) هِيَ مَنْدُوبَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ غَيْرِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ) فَإِنْ قِيلَ غَيْرُ الْحَجَرِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ لَيْسَ رُخْصَةً إذْ الرُّخْصَةُ جَوَازُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ آلَةُ الرُّخْصَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَحَّ الْقِيَاسُ فِيمَا تَكُونُ بِهِ الرُّخْصَةُ صَحَّ فِيهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِجَامِعِ الْجَامِدِ الطَّاهِرِ) أَيْ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَامِدٌ طَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرَ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ: بِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ) فَالْمُرَادُ بِالْحَجَرِ فِي النَّصِّ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ
(قَوْلُهُ: وَسَمَّاهُ) أَيْ مَا ذَكَرَ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ أَيْ أَعْطَى غَيْرَ الْحَجَرِ حُكْمَ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ: وَسَمَّاهُ) أَيْ سَمَّى إعْطَاءَ غَيْرِ الْحَجَرِ حُكْمَ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ: دَلَالَةُ النَّصِّ) يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ أَقْسَامِ دَلَالَةِ النَّصِّ وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ اسْتِنْبَاطًا بِالْقِيَاسِ وَدَلَالَةُ النَّصِّ عِنْدَهُمْ هِيَ الْمُسَمَّاةُ عِنْدَنَا مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ) أَيْ بِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ عَنْهُ أَيْ عَنْ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْحَجَرَ لَا يُطْلَقُ عَلَى نَحْوِ الْخِرْقَةِ فَلَا بُدَّ فِي إلْحَاقِهَا مِنْ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي فِدْيَةِ الْحَجِّ) أَيْ الْفِدْيَةِ الْوَاقِعَةِ بِارْتِكَابِ مَحْذُورٍ مِنْ مَحْذُورَاتِهِ مَثَلًا كَاللُّبْسِ وَالدُّهْنِ (قَوْلُهُ: وَأَصْلُ التَّفَاوُتِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ تَفَاوُتَ الْمُوسِرِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَى فِدْيَةِ الْحَجِّ فَأَجَابَ بِأَنَّ الثَّابِتَ إنَّمَا هُوَ أَصْلُ التَّفَاوُتِ لَا تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ فَإِنَّهُ بِالْقِيَاسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute