الَّذِي هُوَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ وِفَاقٌ عَادَةً وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢] وَالِاعْتِبَارُ قِيَاسُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ (إلَّا فِي) الْأُمُورِ (الْعَادِيَّةِ وَالْخِلْقِيَّةِ)
ــ
[حاشية العطار]
كَثِيرٍ إلَخْ) قَدَّمَهُ عَلَى الدَّلِيلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحَ مِنْهُ دَلَالَةً، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ جَعَلَ الدَّلِيلَ عَلَى الْحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ وَهُوَ ظَنِّيٌّ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ ظَنِّيًّا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةُ الرِّضَا وَإِلَّا كَانَ قَطْعِيًّا، وَقَدْ وُجِدَتْ هُنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مَعَ سُكُوتِ إلَخْ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ) أَيْ السُّكُوتُ وَقَوْلُهُ وِفَاقَ خَبَرُ هُوَ (قَوْلُهُ: فِي مِثْل ذَلِكَ) أَيْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْأُصُولِ بَيَانٌ لِمِثْلِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ قَدْ ثَبَتَ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَتْ تَفَاصِيلُ ذَلِكَ آحَادًا وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَاطِعٍ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً، وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهُ بِالتَّعْيِينِ، ثُمَّ قَالَ وَمَا نُقِلَ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنَّمَا كَانَ فِي الْبَعْضِ لِكَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ أَوْ لِعَدَمِ شَرَائِطِ الْقِيَاسِ، وَشُيُوعُ الْأَقْيِسَةِ الْكَثِيرَةِ بِلَا إنْكَارٍ مَقْطُوعٌ بِهِ مَعَ الْجَزْمِ بِأَنَّ الْعَمَلَ كَانَ بِهَا لِظُهُورِهَا لَا بِخُصُوصِيَّاتِهَا اهـ (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِعَمَلِ دَلِيلٍ ثَانٍ الْحُجِّيَّةُ الْقِيَاسُ وَقَوْلُهُ وَالِاعْتِبَارُ إلَخْ مِنْ تَتِمَّةِ الِاسْتِدْلَالِ وَطَرِيقُ الِاسْتِدْلَالِ أَنْ تَقُولَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارٌ وَالِاعْتِبَارُ مَأْمُورٌ بِهِ يَنْتُجُ الْقِيَاسُ مَأْمُورٌ بِهِ. بَيَانُ الصُّغْرَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ افْتِعَالٌ مِنْ الْعُبُورِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ فِيهِ عُبُورَ الذِّهْنِيِّ مِنْ النَّظَرِ فِي حَالِ الْأَصْلِ إلَى حَالِ الْفَرْعِ وَدَلِيلُ الْكُبْرَى قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢] الْآيَةَ وَيُرَادُ أَنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ تَامِّ التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَنْتَجَ وُجُوبَ الْقِيَاسِ لَا حُجِّيَّتَهُ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُجِّيَّةَ لَازِمٌ لِلنَّتِيجَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى وُجُوبِ الْقِيَاسِ وُجُوبُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِمُشَارَكَتِهِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ فِي الْعِلَّةِ وَهَذَا مَعْنَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْعُبْرِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ مِنْ مَنْعِ الصُّغْرَى بِسَنَدِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْقِيَاسِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فَغَيْرُ مُوَجَّهٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمُقَدِّمَةِ بَعْدَ إثْبَاتِهَا وَمَا ذَكَرَهُ سَنَدًا غَيْرُ صَالِحٍ لِلسَّنْدِيَّةِ فَإِنَّ إطْلَاقَ الْمُعْتَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ شَائِعٌ بَيْنَهُمْ
وَمِنْهُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَضْعُ مَعَالِمِ الْعِلْمِ عَلَى مَسَالِكِ الْمُعْتَبِرِينَ أَرَادَ بِالْمَعَالِمِ الْعِلَلَ وَبِالْمُعْتَبَرِينَ الْقَائِسِينَ نَعَمْ يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ لَا يُرَادُ بِالِاعْتِبَارِ فِي الْآيَةِ الْقِيَاسُ الشَّرْعِيُّ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الِاتِّعَاظُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ} [النور: ٤٤] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السَّعِيدُ مَنْ اعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ» إذْ حَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ لَا يُنَاسِبُ صَدْرَ الْآيَةِ لِرَكَاكَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ تَحَقُّقَ الرَّكَاكَةِ إذَا أُرِيدَ الصُّورَةُ الْخَاصَّةُ وَهِيَ بِعَيْنِهَا لَا تُرَادُ بَلْ الْمُرَادُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ وَالِاتِّعَاظِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْمُجَاوَزَةِ فَإِنَّ فِي الِاتِّعَاظِ مُجَاوَزَةً مِنْ حَالِ الْغَيْرِ إلَى حَالِ نَفْسِهِ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ تَمَامِيَّتِهِ أَيْضًا فَإِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ الْجُزْئِيِّ إذْ لَا دَلَالَةَ لِلْعَامِّ عَلَى خَاصٍّ بِعَيْنِهِ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ اعْتَبِرُوا عَامٌّ إذْ لَا عُمُومَ فِي الْفِعْلِ بَلْ فِي الضَّمِيرِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ وَمَا وُجِّهَ بِهِ عُمُومُهُ بِأَنَّ مَعْنَى اعْتَبِرُوا افْعَلُوا الِاعْتِبَارَ وَهُوَ عَامٌّ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى افْعَلُوا اعْتِبَارًا وَالتَّعْرِيفُ فَاللَّامُ الِاسْتِغْرَاقِ زَائِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمَا يُقَالُ إنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْعُمُومِ يُجْعَلُ مِنْ قِبَلِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ كَافٍ مَمْنُوعٌ أَيْضًا إذْ يَكْفِي فِي تَحَقُّقِهِ بَعْدَ إفْرَادِهِ كَالِاتِّعَاظِ مَثَلًا فَلَا يَشْمَلُ الْقِيَاسَ عَلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِيَّةِ الْعُلُومِ تَكُونُ الدَّلَالَةُ ظَنِّيَّةً فَلَا يَصِحُّ دَلِيلًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَهِيَ كَوْنُ الْقِيَاسِ حُجَّةً، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِتَسْلِيمِ أَنَّهَا عِلْمِيَّةٌ أَيْ اعْتِقَادِيَّةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْعَمَلَ كَفَى الظَّنُّ.
مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إلَى الْيَمَنِ قَالَ: بِمَ تَحْكُمَانِ؟ قَالَا إذَا لَمْ نَجِدْ الْحُكْمَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نَقِيسُ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ فَمَا كَانَ أَقْرَبَ نَعْمَلُ بِهِ فَصَوَّبَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حُجَّةِ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْعَادِيَّةِ وَالْخِلْقِيَّةِ) قَدْ يُقَالُ يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ لِشُمُولِهِ لَهُ وَيُرَدُّ بِمَنْعِ ذَلِكَ إذْ الْعَادِيَّةُ وَالْخِلْقِيَّةُ غَيْرُ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَوْ سُلِّمَ شُمُولُهُ لَهُ بِتَأْوِيلِ أَنْ يُرَادَ بِالْأَحْكَامِ النَّسَبُ التَّامَّةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْ الشَّرْعِ أَوْ مِنْ الْعَادَةِ فَذِكْرُهُ مَعَهُ لِبَيَانِ الْمُقَابِلِ لَهُمَا الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ خِلَافًا لِلْمُعَمِّمِينَ، وَعَطْفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute