وَعِلْمُ الْمُجْتَهِدِ بِهِ لِاعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ قَدِيمَةٌ وَلَا تَفَرُّعَ فِي الْقَدِيمِ
(وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الْأَصْلِ الَّذِي يُقَاسُ عَلَيْهِ (دَالٌّ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ بِنَوْعِهِ أَوْ شَخْصِهِ وَلَا اتِّفَاقٌ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ خِلَافًا لِزَاعِمَيْهِمَا) بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ زَاعِمِ اشْتِرَاطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَزَاعِمِ اشْتِرَاطِ الثَّانِي وَهُوَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ، فَعِنْدَ الْأَوَّلِ لَا يُقَاسُ فِي مَسَائِلِ الْبَيْعِ مَثَلًا إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ فِيهِ، وَعِنْدَ الثَّانِي لَا يُقَاسُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ بَلْ لَا بُدَّ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ مُعَلَّلٌ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ عِلَّتَهُ كَذَا وَمَا اشْتَرَطَاهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
ــ
[حاشية العطار]
الِاخْتِلَافُ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ لَا يُصَحِّحُ التَّفَرُّعَ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْحُدُوثَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّفَرُّعَ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُ الْحُكْمِ بَلْ حَيْثُ دَلِيلُهُ (قَوْلُهُ: وَعِلْمُ الْمُجْتَهِدِ بِهِ) أَيْ بِالدَّلِيلِ لَا الْحُكْمِ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ
(قَوْلُهُ: عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ) أَيْ الْمُعَيَّنَةِ فَالنَّعْتُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ مُعَلَّلٌ (قَوْلُهُ: أَيْ زَاعِمِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ خِلَافًا لِزَاعِمَيْهِمَا عَلَى التَّوْزِيعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَعَمَ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (قَوْلُهُ: عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ نِسْبَةً إلَى بَيْعِ الْبُتُوتِ جَمْعُ بَتٍّ وَهِيَ الثِّيَابُ كَانَ يَبِيعُهَا بِالْبَصْرَةِ وَقِيلَ إلَى الْبَتِّ مَوْضِعٍ بِنَوَاحِي الْبَصْرَةِ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ فَقِيهُ الْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ نِسْبَةً إلَى مَرِّيسَةَ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى مِصْرَ وَهُوَ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ كَانَ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ اهـ. زَكَرِيَّا.
وَلَيْسَ هُوَ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَلَا مِنْ مِصْرَ، وَإِنَّمَا كَانَ بِبَغْدَادَ قَالَ صَاحِبُ عُيُونِ التَّوَارِيخِ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ الْمُعْتَزِلِيُّ قَالَ الْخَطِيبُ كَانَ أَبُوهُ يَهُودِيًّا وَسَمِعَ الْفِقْهَ مِنْ أَبِي يُوسُفَ اشْتَغَلَ بِعِلْمِ الْكَلَامِ فَقَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَكَانَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ يَقُولُ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ زِنْدِيقٌ لَهُ أَقْوَالٌ شَنِيعَةٌ وَمَذَاهِبُ مُسْتَنْكَرَةٌ كَفَّرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهَا، وَكَانَ إذَا دَعَا قَلَبَ يَدَهُ إلَى الْأَرْضِ وَجَعَلَ بَاطِنَهَا إلَيْهَا وَيَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ كَمَا هُوَ فِي السَّمَاءِ رُوِيَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ قَوْمٌ بِبَغْدَادَ فَمَرَّ بِهِمْ يَهُودِيٌّ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ احْذَرُوهُ لَا يَفْسُدْ عَلَيْكُمْ دِينَكُمْ وَكِتَابَكُمْ كَمَا أَفْسَدَ عَلَيْنَا أَبُوهُ دِينَنَا وَكِتَابَنَا يَعْنِي التَّوْرَاةَ. قَالَ بَعْضُهُمْ رَأَيْت بِشْرًا شَيْخَنَا قَصِيرًا ذَمِيمًا قَبِيحَ الْمَنْظَرِ وَسِخَ الثِّيَابِ أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالْيَهُودِ. قَالَ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ دَخَلَ بِشْرٌ عَلَى الْمَأْمُونِ فَقَالَ إنَّ هَاهُنَا رَجُلًا قَدْ هَجَانَا فِيمَا أَحْدَثْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَعَاتَبَهُ فَقَالَ إنْ كَانَ شَاعِرًا لَمْ أَقْدَمْ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّهُ يَدَّعِي الشِّعْرَ وَلَيْسَ بِشَاعِرٍ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ حَتَّى أَخْتَبِرَهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ:
قَدْ قَالَ مَأْمُونُنَا وَسَيِّدُنَا ... قَوْلًا لَهُ فِي الْكِتَابِ تَصْدِيقُ
إنَّ عَلِيًّا يَعْنِي أَبَا حَسَنٍ ... أَفْضَلُ مِمَّا أَقَلَّتْ النُّوقُ
بَعْدَ نَبِيِّ الْهُدَى وَإِنَّ لَنَا ... أَعْمَالُنَا وَالْقُرْآنُ مَخْلُوقُ
فَكَتَبَ الْجَوَابَ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ ... لِمَنْ يَقُولُ كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقُ
مَا قَالَ ذَاكَ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ ... وَلَا الرَّسُولُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ صِدِّيقُ
وَلَمْ يَقُلْ ذَاكَ إلَّا مُبْتَدِعٌ ... عِنْدَ الْعِبَادِ وَعِنْدَ اللَّهِ زِنْدِيقُ
وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يُوسُفَ الزَّمِنِ قَالَ رَأَيْت إبْلِيسَ فِي الْمَنَامِ مُشَوَّهَ الْخَلْقِ وَهُوَ مُلَبَّسٌ بِالشَّعْرِ وَرَأْسُهُ إلَى أَسْفَلَ وَرِجْلَاهُ إلَى فَوْقُ وَفِي يَدَيْهِ عُيُونٌ مِثْلُ النَّارِ وَهُوَ يَقُولُ مَا مِنْ مَدِينَةٍ إلَّا وَلِي فِيهَا خَلِيفَةٌ قُلْت وَمَنْ خَلِيفَتُك بِالْعِرَاقِ قَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ دَعَا النَّاسَ إلَى مَا عَجَزْت عَنْهُ اهـ. مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ عِلَّتَهُ