أَنَّهُ مُعَرِّفٌ أَيْ عَلَامَةٌ عَلَى حُرْمَةِ الْمُسْكِرِ كَالْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ.
(وَحُكْمُ الْأَصْلِ) عَلَى هَذَا (ثَابِتٌ بِهَا لَا بِالنَّصِّ) (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) فِي قَوْلِهِمْ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُفِيدُ لِلْحُكْمِ قُلْنَا لَمْ يُفِدْهُ بِقَيْدِ كَوْنِ مَحَلِّهِ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَالْمُفِيدُ لَهُ هُوَ الْعِلَّةُ إذْ هِيَ مَنْشَأُ التَّعْدِيَةِ الْمُحَقِّقَةِ لِلْقِيَاسِ (وَقِيلَ) الْعِلَّةُ (الْمُؤَثِّرُ بِذَاتِهِ) فِي الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَتْبَعُ الْمَصْلَحَةَ وَالْمَفْسَدَةَ
ــ
[حاشية العطار]
كَوْنَ أَحَدِهِمَا أَجْلَى مِنْ الْآخَرِ بِعَارِضٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ عَلَامَةٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّنَا إذَا اطَّلَعْنَا عَلَى الْعِلَّةِ اسْتَفَدْنَا مِنْهَا عِلْمًا وَهُوَ حُرْمَةُ الْمُسْكِرِ فِي الْمِثَالِ هَذَا هُوَ مَعْنَى كَوْنِ الْعِلَّةِ عَلَامَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ غَيْرُ مَعْنَاهَا عَلَى قَوْلِ الْغَزَالِيِّ الْآتِي (قَوْلُهُ عَلَى حُرْمَةِ الْمُسْكِرِ) أَيْ تَعَلُّقُ الْحُرْمَةِ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ أَيْ عَلَى ظُهُورِ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَهُوَ قَدِيمٌ (قَوْلُهُ كَالْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ) مِثَالٌ لِلْفَرْعِ وَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تُنْسَبُ لَهُمَا
(قَوْلُهُ: وَحُكْمُ الْأَصْلِ) أَيْ كَوْنُ مَحَلِّهِ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْمَحَلُّ لِلْفَاءِ فَكَانَ الْأَوْلَى فَحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيعٌ (قَوْلُهُ: عَلَى هَذَا) احْتَرَزَ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ فَلَا يَجِيءُ فِيهَا خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ عَنْ مَجْمُوعِهِمَا لِاحْتِمَالِ مَجِيئِهِ عَلَى الْأَخِيرِ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ فِيمَا أَعْلَمُ اهـ زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: ثَابِتٌ بِهَا) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى الثُّبُوتِ إنْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ لَزِمَ كَوْنُ الْعِلَّةِ مُؤَثِّرَةً وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ لَزِمَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَعْرِفُ الْحُكْمَ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْحُكْمَ إلَّا مِنْ النَّصِّ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي أَنَّ الْمُرَادَ الثُّبُوتُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ مَحَلِّهِ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا لَمْ يُفِدْهُ) أَيْ الْحُكْمُ فَإِنَّ الْعِلَّةَ تُعَرِّفُ الْحُكْمَ مَنُوطًا بِهَا حَتَّى إذَا وُجِدَتْ بِمَحَلٍّ آخَرَ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ أَيْضًا، وَالنَّصُّ يُعَرِّفُ الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى ذَلِكَ فَلَيْسَا مُعَرِّفَيْنِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَعَدُّدَ الْأَدِلَّةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَدْلُولِ (قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ) أَيْ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ أَيْ إفَادَةِ الْحُكْمِ مَعَ كَوْنِ مَحَلِّهِ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُفِيدُ لَهُ الْعِلَّةُ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ مُفِيدَةٌ لِلْحُكْمِ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَلَا مِنْ حَيْثُ تَعَدِّيهِ، وَإِنَّمَا الْمُفِيدُ لَهُ النَّصُّ وَهُوَ مُنَوِّهٌ بِالْعِلَّةِ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ تَقَيُّدُهُ بَعْدَ تَقَرُّرِ النَّصِّ وَعَلَيْهِ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ: إذْ هِيَ مَنْشَأُ التَّعْدِيَةِ) أَيْ الْمَحَلِّ وَأَوْرَدَ أَنَّ التَّعْدِيَةَ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ فَكَيْفَ تَكُونُ هِيَ الْمَنْشَأُ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ هِيَ الْمَحَلُّ الْمَأْخُوذُ فِي تَعْرِيفِهِ فَهِيَ الْمُحَقِّقَةُ لَهُ
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرُ بِذَاتِهِ) أَيْ حَقِيقَةً كَالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ لِقَوْلِهِمْ بِالْوُجُوبِ عَلَى اللَّهِ وَرِعَايَةِ الْأَصْلَحِ فَالْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ يُوجِبُ عِنْدَهُمْ شَرْعَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَعِنْدَنَا كَمَا أَنَّ آثَارَ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً، وَمَعْنَى تَأْثِيرِهَا جَرَيَانُ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِخَلْقِهَا عَقِبَهَا كَذَلِكَ الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ أَمَارَاتٌ لِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَحْكَامَ عِنْدَهَا وَإِنْ كَانَتْ مُؤَثِّرَةً بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا بِمَعْنَى نَوْطِهِ الْمَصَالِحَ بِهَا تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا حَتَّى أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ التَّعْلِيلَ فَقَدْ أَنْكَرَ النُّبُوَّةَ إذْ كَوْنُ الْبَعْثِ لِاهْتِدَاءِ النَّاسِ وَكَوْنُ الْمُعْجِزَةِ لِتَصْدِيقِهِمْ لَازِمَهَا فَمُنْكِرُهُ مُنْكِرُهَا لَكِنْ لَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute