للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ (وَقَالَ الْغَزَالِيُّ) هِيَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ (بِإِذْنِ اللَّهِ) أَيْ بِجَعْلِهِ لَا بِالذَّاتِ (وَقَالَ الْآمِدِيُّ) هِيَ (الْبَاعِثُ عَلَيْهِ) وَقَالَ إنَّهُ مُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ حُكْمُ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِهَا أَيْ أَنَّهَا بَاعِثٌ عَلَيْهِ وَأَنَّ مُرَادَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النَّصَّ مُعَرِّفٌ لَهُ وَأَنَّ كُلًّا لَا يُخَالِفُ الْآخَرَ فِي مُرَادِهِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ إنَّمَا نُفَسِّرُ الْعِلَّةَ بِالْمُعَرِّفِ وَلَا نُفَسِّرُهَا بِالْبَاعِثِ أَبَدًا وَنُشَدِّدُ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ فَسَّرَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَا يَبْعَثُهُ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ عَبَّرَ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَنْهَا بِالْبَاعِثِ

ــ

[حاشية العطار]

يُنِطْهَا بِهَا لَكَانَ عَبَثًا وَإِلَّا لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَصِيرُ عَبَثًا لَوْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا الْمَصَالِحُ وَلَيْسَتْ أَغْرَاضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُشْرَعْ لِقَصْدِ حُصُولِهَا، وَإِنَّمَا حَصَلَتْ بَعْدَهُ بِإِرَادَتِهِ وَإِلَّا كَانَ مُسْتَكْمِلًا بِهَا حَيْثُ تَرَجَّحَ أَحَدُ طَرَفَيْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَهِيَ مَصَالِحُ لِأَغْرَاضِ التَّعْلِيلَاتِ الْوَارِدَةِ مِثْلَ: {إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْأَغْرَاضِ وَالْبَوَاعِثِ كَذَا فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ لِلْغَزِّيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ وَأَنَّ الْحُكْمَ حَادِثٌ بِنَاءً عَلَى نَفْيِهِمْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْغَزَالِيُّ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِيهِ) أَيْ فِي تَعَلُّقِهِ لَا فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ قَدِيمٌ يَمْتَنِعُ التَّأْثِيرُ فِيهِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْعِلَّةَ حَادِثَةٌ وَالْحُكْمُ قَدِيمٌ وَالْحَادِثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْقَدِيمِ (قَوْلُهُ: بِإِذْنِ اللَّهِ) فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السَّبَبِ الْعَادِيِّ

(قَوْلُهُ: أَيْ يَجْعَلُهُ) بِمَعْنَى أَنَّهَا مَتَى تَحَقَّقَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْحُكْمُ عَلَى وَجْهِ الِارْتِبَاطِ الْعَادِيِّ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ وَبِهَذَا يَرْجِعُ كَلَامُهُ إلَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَإِنْ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَلَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ الِارْتِبَاطُ بَيْنَ الْعِلْمِ بِالْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ وَعَلَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ مُرَادَ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ حُكْمُ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَا يَبْعَثُهُ شَيْءٌ إلَخْ) لِأَنَّ أَفْعَالَهُ تَعَالَى لَا تُعَلَّلُ بِالْأَغْرَاضِ.

وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الْبَارِي تَابِعَةٌ لِلْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ تَفَضُّلًا لَا وُجُوبًا كَمَا يَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ فَمُرَادُهُمْ أَنَّهَا مُرْتَبِطَةٌ بِالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا فِي الْوُجُودِ بَلْ بِمَعْنَى تَرَتُّبِ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ عَلَى شَرْعِيَّتِهَا وَأَنَّهَا ثَمَرَاتٌ لِتَعَلُّقِهَا تَعُودُ تِلْكَ الْحِكَمُ وَالْمَصَالِحُ عَلَيْنَا لَا أَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا فِي الْوُجُودِ حَتَّى تَكُونَ عِلَّةً غَائِيَّةً بَاعِثَةً لَهُ تَعَالَى كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] وَقَوْلِهِ {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: ٣٢] وَقَوْلِهِ {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران: ١٧٨] مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِمَالِ الْأَفْعَالِ عَلَى الْمَصَالِحِ الَّتِي تَعُودُ عَلَيْنَا دُونَ الْغَرَضِ وَالْعِلَّةِ الْغَائِبَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ السَّابِقُ وَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ أَيْ مُشْتَمِلَةً عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْبَاعِثِ لَمْ يَلْزَمْ التَّشْنِيعُ الْمَذْكُورُ

<<  <  ج: ص:  >  >>