للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرَادَ أَنَّهَا بَاعِثَةٌ لِلْمُكَلَّفِ عَلَى الِامْتِثَالِ نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.

(وَقَدْ تَكُونُ) الْعِلَّةُ (دَافِعَةً) لِلْحُكْمِ (وَرَافِعَةً) لَهُ (أَوْ فَاعِلَةً الْأَمْرَيْنِ) أَيْ الدَّفْعَ وَالرَّفْعَ مِثَالُ الْأَوَّلِ الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ حِلَّ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ وَلَا تَرْفَعُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ عَنْ شُبْهَةٍ وَمِثَالُ الثَّانِي الرَّضَاعُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ حِلَّ النِّكَاحِ وَيَرْفَعُهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ.

(وَ) تَكُونُ الْعِلَّةُ (وَصْفًا حَقِيقِيًّا) وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عُرْفٍ أَوْ غَيْرِهِ (ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا) كَالطُّعْمِ فِي بَابِ الرِّبَا (أَوْ) وَصْفًا (عُرْفِيًّا مُطَّرِدًا) لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ كَالشَّرَفِ وَالْخِسَّةِ فِي الْكَفَاءَةِ (وَكَذَا) تَكُونُ (فِي الْأَصَحِّ) وَصْفًا (لُغَوِيًّا) كَتَعْلِيلِ حُرْمَةِ النَّبِيذِ بِأَنَّهُ يُسَمَّى خَمْرًا كَالْمُشْتَدِّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَقُولُ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: أَرَادَ أَنَّهَا بَاعِثَةٌ لِلْمُكَلَّفِ) هَذَا أَمْرٌ مُخْتَرَعٌ لِوَالِدِ الْمُصَنِّفِ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَعْثَ لِلْحَاكِمِ عَلَى شَرْعِ الْحُكْمِ أَيْ إظْهَارِ تَعَلُّقِهِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ لَا لِلْمُكَلَّفِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْحُكْمِ قَالَهُ الْكُورَانِيُّ وَكَلَامُ سم مَعَهُ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ

(قَوْلُهُ: دَافِعَةً لِلْحُكْمِ هُنَا إلَخْ) فِي التَّعْبِيرِ بِالدَّفْعِ وَالرَّفْعِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الِاصْطِلَاحِ الْمُتَقَدِّمِ تَسَمُّحٌ وَإِلَّا فَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ وَقَدْ تَكُونُ عَلَامَةً لِلدَّفْعِ أَوْ الرَّفْعِ إذْ التَّعْبِيرُ بِالدَّفْعِ وَالرَّفْعِ يَقْتَضِي أَنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ وَمَعْنَى كَوْنِهَا دَافِعَةً لِلْحُكْمِ أَنَّهَا دَافِعَةٌ لِحُدُوثِهِ وَطُرُوِّهِ بِتَعَلُّقِهِ تَنْجِيزًا وَقَوْلُهُ أَوْ رَافِعَةً أَيْ قَاطِعَةً لِاسْتِمْرَارِهِ.

وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ مَا تَدْفَعُهُ أَوْ تَرْفَعُهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْحُكْمَ الَّذِي يَثْبُتُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَقْتَضِي وُجُودَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ حُكْمًا آخَرَ وَهُوَ ضِدُّهُ فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُ الدَّافِعِ وَالرَّافِعِ فِي أَقْسَامِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ بِاعْتِبَارِ ضِدِّ حُكْمِهَا مَانِعَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَبَاحِثِ الْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عِلَّةٌ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ وَكَلَامُ سم لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ الْمُرَادِ ضِدَّ حُكْمِهَا فَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ اصْطِلَاحٌ لَا مُشَاحَّةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَرْفَعُهُ) أَيْ النِّكَاحَ أَوْ حِلَّهُ بِمَعْنَى حِلِّ اسْتِمْرَارِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَتْ عَنْ شُبْهَةٍ) فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ نِكَاحَ الزَّوْجِ وَإِلَّا لَمْ تَحْصُلْ لَهُ بَعْدَهَا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَإِنَّمَا تَرْفَعُ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِنَّمَا قَالَ كَمَا لَوْ كَانَتْ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ عِدَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ مَعَ وُجُودِ النِّكَاحِ مِنْ قَبْلُ (قَوْلُهُ: إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا طَرَأَ الرَّضَاعُ عَلَى النِّكَاحِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ بِرَضِيعَةٍ فَأَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ

(قَوْلُهُ: وَتَكُونُ الْعِلَّةُ) لَمْ يَعُدَّ قَدْ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا كَثِيرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ مِنْ لُغَةٍ أَوْ شَرْعٍ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ فِيمَا بَعْدُ (قَوْلُهُ: عَلَى عُرْفٍ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ لُغَةٍ أَوْ شَرْعٍ وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ لَا يُسْتَفَادُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا) أَيْ مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِهِ لَا خَفِيًّا وَذَلِكَ كَعُلُوقِ الرَّحِمِ أَوْ الْإِنْزَالِ أَوْ الْوَطْءِ فَلَا تُعَلَّلُ بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى، وَإِنَّمَا تُعَلَّلُ بِالْخَلْوَةِ (قَوْلُهُ: مُنْضَبِطًا) أَيْ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْرَادِ فَخَرَجَ الْمَشَقَّةُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ بَلْ يُعَلَّلُ بِالْمُشَاقَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ وَصْفًا عُرْفِيًّا) فِي زِيَادَةِ وَصْفًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ عُرْفِيًّا قَسِيمُ قَوْلِهِ حَقِيقِيًّا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ وَمَا بَعْدَهُ بِكَوْنِهِ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ) إذْ لَوْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِهَا لَجَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ (قَوْلُهُ: كَالشَّرَفِ) مِثَالٌ لِلنَّفْيِ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ لَا النَّفْيُ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَكُونُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ مَحَلُّ كَذَا نَصْبٌ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مُقَدَّرٍ أَيْ تَكُونُ فِي الْأَصَحِّ وَصْفًا لُغَوِيًّا كَوْنًا كَذَا أَيْ مِثْلَ هَذَا الْكَوْنِ السَّابِقِ اهـ.

وَأَقُولُ إنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا إنْ جَوَّزْنَا نَصْبَ الْفِعْلِ النَّاقِصِ لِمَصْدَرِهِ كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا مَنَعْنَاهُ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فَيَنْبَغِي تَعَلُّقُ هَذَا الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ بِالْفِعْلِ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: كَالْمُشْتَدِّ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ يُسَمَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>