للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجَعَلَهَا مِنْهُ مَعَ الْقَطْعِ بِقَبُولِهَا (قَالَ وَالظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنْ الْقَطْعِ كَالْقَطْعِ) فِيهَا مِثَالُهَا رَمْيُ الْكُفَّارِ الْمُتَتَرِّسِينَ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْبِ الْمُؤَدِّي إلَى قَتْلِ التُّرْسِ مَعَهُمْ إذَا قُطِعَ أَوْ ظُنَّ ظَنًّا قَرِيبًا مِنْ الْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُرْمَوْا اسْتَأْصَلُوا الْمُسْلِمِينَ بِالْقَتْلِ التُّرْسَ وَغَيْرَهُ وَبِأَنَّهُمْ إنْ رُمُوا سَلِمَ غَيْرُ التُّرْسِ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ

لِحِفْظِ

بَاقِي الْأُمَّةِ بِخِلَافِ رَمْيِ أَهْلِ قَلْعَةٍ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ فَإِنَّ فَتْحَهَا لَيْسَ ضَرُورِيًّا وَرَمْيُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ لِنَجَاةِ الْبَاقِينَ فَإِنَّ نَجَاتَهُمْ لَيْسَ كُلِّيًّا أَيْ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ الْأُمَّةِ وَرَمْيُ الْمُتَتَرِّسِينَ فِي الْحَرْبِ إذَا لَمْ يُقْطَعْ أَوْ لَمْ يُظَنَّ ظَنًّا قَرِيبًا مِنْ الْقَطْعِ بِاسْتِئْصَالِهِمْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ

ــ

[حاشية العطار]

فَالْحَالُ أَقْوَى وَأَشَدُّ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا لَنَا بِهَا تَمَسُّكٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِتَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ كَلَامًا يَقْرُبُ مِمَّا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ وَالِدِهِ فِي ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا وَاسْتَخْرَجَهَا قَالَ: مَنْ جَاءَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْرِفٍ، وَلَا مُسَائِلٍ، يَأْخُذُهُ حَرَامًا كَانَ أَمْ حَلَالًا ثُمَّ إنْ كَانَ حَلَالًا لَا تَبِعَةَ فِيهِ تَمَوَّلَهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ فِي مَرَدِّهِ إنْ عَرَفَ مُسْتَحِقَّهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَالِ الضَّائِعِ قَالَ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ، وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَك» قَالَ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا مَا يَدْفَعُ مَا نَقُولُهُ؛ لِأَنَّا عَلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ خُصُوصَ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي دَفَعَهُ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَعَمُّ مِنْهُ مِنْ كُلِّ حَلَالٍ أَوْ الْأَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ مَالٍ قَالَ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ، وَأَمْلَى عَلَى الْمَسْأَلَةِ كَلَامًا عَلَى الْأُخْتِ سُتَيْتَةَ إمْلَاءً عَلَيْهَا، وَهُوَ مَرِيضٌ فَكَتَبَتْهُ عَنْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اهـ.

وَهَذَا الْكِتَابُ أَعْنِي: تَرْشِيحَ التَّوْشِيحِ مِنْ أَجَلِّ كُتُبِ الْمُصَنِّفِ وَقَعَتْ إلَيَّ نُسْخَتُهُ وَأَنَا بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ الشَّامِ وَمُقَدِّمَةُ ذَلِكَ الْكِتَابِ بِخَطِّهِ فَاشْتَرَيْتهَا، وَقَدْ أَلَّفَ هُوَ ذَلِكَ الْكِتَابَ بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَرَغْت مِنْ تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ الْمُكَرَّمِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِمَنْزِلِي فِي الدَّهْشَةِ ظَاهِرِ دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ وَأَرْسَلْت فِي صَفَرٍ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ مِنْهُ نُسْخَةً إلَى أَخِي الشَّيْخِ الْأُسْتَاذِ الْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ الْحَبْرِ الْبَحْرِ بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي حَامِدٍ أَحْمَدَ إلَى آخِرِ مَا قَالَ وَأَخُوهُ بَهَاءُ الدِّينِ هَذَا هُوَ الَّذِي شَرَحَ تَلْخِيصَ الْمِفْتَاحِ وَسَمَّى شَرْحَهُ بِعَرُوسِ الْأَفْرَاحِ، وَلَا أَعْلَمُ مُؤَلِّفًا غَيْرَهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْخِ سَكَنَ دِمَشْقَ أَنَّهُ وُلِدَ بِهَا بَلْ مَوْلِدُهُ بِمِصْرَ وَالِدُهُ مِنْ قَرْيَةِ سُبْكٍ، وَإِنَّمَا تَوَلَّى وَالِدُهُ قَضَاءَ الشَّامِ وَاسْتَصْحَبَهُ مَعَهُ وَسُتَيْتَةُ أُخْتُ الشَّيْخِ ثَبَتَ لَهَا مُشَارَكَةٌ مَعَهُ فِي الْأَخْذِ عَنْ وَالِدِهِ فَهُمْ أَهْلُ بَيْتِ عِلْمٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَقَدْ ظَفِرْت وَأَنَا بِدِمَشْقَ أَيْضًا بِمُؤَلَّفَيْنِ صَغِيرَيْ الْحَجْمِ مِنْ تَأْلِيفِ وَالِدِ الشَّيْخِ بِخَطِّهِ، وَهُمَا عِنْدِي إلَى الْآنَ (قَوْلُهُ: فَجَعَلَهَا مِنْهُ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ كَشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ يُفِيدُك أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ وَاشْتَرَطَهَا الْغَزَالِيُّ إلَخْ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فَقَوْلُهُ فَجَعَلَهَا مُقَابِلَ قَوْلِهِ وَلَيْسَ مِنْهُ زَادَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ لَكِنْ اُنْظُرْ مَا مَذْهَبُ الْغَزَالِيِّ فِي الْمُرْسَلِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ هَلْ يَقُولُ بِهِ كَمَالِكٍ أَمْ لَا اهـ.

وَأَقُولُ قَدْ يُفْهَمُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا لِأَصْلِ الْقَوْلِ بِهِ أَنَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَقْرِيرِ الْكَمَالِ لَكِنَّ اقْتِصَارَ الشَّارِحِ عَلَى قَوْلِهِ فَجَعَلَهَا مِنْهُ مَعَ الْقَطْعِ بِقَبُولِهَا قَدْ يُفْهَمُ عَدَمُ قَوْلِهِ بِهِ اهـ. سم.

أَقُولُ قَدْ سَبَقَ لَك مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي إنْكَارِهِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: كَالْقَطْعِ فِيهَا) أَيْ الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ

لِحِفْظِ بَاقِي الْأُمَّةِ

) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ بَاقِيَ الْأُمَّةِ قَبْلَ حُصُولِ الرَّمْيِ لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ حَتَّى يَكُونَ حِفْظُهُمْ كُلِّيًّا أَيْ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ الْأُمَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ حِفْظُ الْبَاقِي كُلِّيًّا قَبْلَ الرَّمْيِ لَمْ يَجُزْ الرَّمْيُ إذْ الْمُجَوِّزُ إنَّمَا هُوَ الْمَصْلَحَةُ الْكُلِّيَّةُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْكُلِّيَّةَ فِي الْمِثَالِ هِيَ انْدِفَاعُ الِاسْتِئْصَالِ فَإِنَّهُ كُلِّيٌّ لِتَعَلُّقِهِ بِالِاسْتِئْصَالِ الَّذِي هُوَ قَتْلُ كُلِّ الْأُمَّةِ فَيَكُونُ الِاسْتِئْصَالُ كُلِّيًّا فَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ كُلِّيٌّ إذْ الْمُتَعَلِّقُ بِالْكُلِّيِّ كُلِّيٌّ بِخِلَافِ انْدِفَاعِ غَرَقِ مَنْ فِي السَّفِينَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلِّيًّا إذْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِغَرَقِ أَهْلِ السَّفِينَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِكُلِّيٍّ اهـ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَذَا بَحْثٌ ضَعِيفٌ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ لِمَا اُشْتُهِرَ مَنْ جَعْلِ الْأَكْثَرِ فِي حُكْمِ الْكُلِّ فِي مَسَائِلَ لَا تُحْصَى، وَخُصُوصًا إذَا اقْتَضَى الْمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>