للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ يُنَبَّهُ عَلَيْهِ سَرِيعًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَتَيْنِ وَلِبَشَاعَةِ هَذَا الْقَوْلِ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالصَّوَابِ.

(وَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاجْتِهَادَ جَائِزٌ فِي عَصْرِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ لَا لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ فِي الْحُكْمِ بِتَلَقِّيهِ مِنْهُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَحْيٌ فِي ذَلِكَ لَبَلَّغَهُ لِلنَّاسِ، (وَثَالِثُهَا) جَائِزٌ (بِإِذْنِهِ صَرِيحًا قِيلَ أَوْ غَيْرَ صَرِيحٍ) بِأَنْ سَكَتَ عَمَّنْ سَأَلَ عَنْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا، (وَرَابِعُهَا) جَائِزٌ (لِلْبَعِيدِ) عَنْهُ دُونَ الْقَرِيبِ لِسُهُولَةِ مُرَاجَعَتِهِ (وَخَامِسُهَا) جَائِزٌ (لِلْوُلَاةِ) حِفْظًا لِمَنْصِبِهِمْ عَنْ اسْتِنْقَاصِ الرَّعِيَّةِ لَهُمْ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ بِأَنْ يُرَاجِعُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَقَعُ لَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ (وَ) الْأَصَحُّ عَلَى الْجَوَازِ (أَنَّهُ وَقَعَ) وَقِيلَ لَا (وَثَالِثُهَا لَمْ يَقَعْ لِلْحَاضِرِ) فِي قُطْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَرَابِعُهَا الْوَقْفُ) عَنْ الْقَوْلِ بِالْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى الْوُقُوعِ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ تُقَتَّلُ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذُرِّيَّتُهُمْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ حُكْمَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ.

(مَسْأَلَةُ الْمُصِيبِ) مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ

ــ

[حاشية العطار]

مِنْهُمْ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرْبَ أَعْنَاقِهِمْ وَاسْتَصْوَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ وَاخْتَارَهُ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: ٦٨] الْآيَةَ أَيْ لَوْلَا حُكْمُ اللَّهِ سَبَقَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهُوَ أَنْ لَا يُعَاقِبَ أَحَدًا بِالْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ لَأَصَابَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ بِسَبَبِ أَخْذِكُمْ الْفِدْيَةَ وَتَرْكِكُمْ الْقَتْلَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ نَزَلَ بِنَا عَذَابٌ لَمَا نَجَا إلَّا عُمَرُ» فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى خَطَئِهِ فِي الِاجْتِهَادِ اهـ.

وَعِبَارَةُ مَتْنِ التَّوْضِيحِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ ثُمَّ الْعَمَلُ بِالرَّأْيِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ لِعُمُومِ فَاعْتَبِرُوا إلَى أَنْ قَالَ وَمُدَّةُ الِانْتِظَارِ مَا يُرْجَى نُزُولُهُ فَإِذَا خَافَ الْفَوْتَ فِي الْحَادِثَةِ يَعْمَلُ بِالرَّأْيِ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يُنَبِّهُ إلَخْ) .

وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} [الأنفال: ٦٧] الْآيَةَ مَا كَانَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِك بَعِيدٌ مِنْ سِيَاقِ مَا بَعْدَهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ (قَوْلُهُ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالصَّوَابِ) إشَارَةً إلَى أَنَّ مُقَابِلَهُ غَيْرُ صَوَابٍ.

(قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَحَيٌّ فِي ذَلِكَ لَبَلَّغَهُ لِلنَّاسِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْوَحْيِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اجْتِهَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْطِئُ بَلْ فِي تَلَقِّي الْحُكْمِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَحْيٍ أَوْ اجْتِهَادٍ مِنْهُ، وَقَدْ يُقَالُ أَنَّ اقْتِصَارَ الْمُعْتَرِضِ عَلَى الْوَحْيِ لِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ اهـ. نَجَّارِيٌّ.

وَفِي التَّمْهِيدِ إذَا رُوِيَ حَدِيثٌ لِغَائِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَمِلَ بِهِ ثُمَّ لَقِيَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ سُؤَالُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ كِلَاهُمَا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ.

وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ السُّؤَالُ إذَا حَضَرَ لَكَانَتْ الْهِجْرَةُ تَجِبُ إذَا غَابَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ الْحَدِيثُ إنْ دَلَّ عَلَى تَغْلِيظٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى تَرْخِيصٍ لَزِمَهُ (قَوْلُهُ وَثَالِثُهَا جَائِزٌ بِإِذْنِهِ) قَدْ يُفْهَمُ مِنْ مُقَابَلَةِ هَذَا لِلثَّانِي أَنَّ الثَّانِيَ يُمْنَعُ عِنْدَ الْإِذْنِ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مِنْ شَيْءٍ مَعَ إذْنِ الشَّارِعِ فِيهِ فَالثَّالِثُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يُقَابِلُ الثَّانِيَ بَلْ يُوَافِقُهُ، وَإِنَّمَا يُقَابِلُ مَا عَدَاهُ وَإِنَّمَا حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَطْلَقَ الْمَنْعَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّفْصِيلِ كَمَا تَعَرَّضَ لَهُ الثَّالِثُ فَحَكَاهُ عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ مِنْهُ وَإِنْ لَزِمَهُ الْقَوْلُ بِتَفْصِيلِ الثَّانِي اهـ. سم.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِذْنِ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاحُ لَهُ شَيْءٌ وَيَتْرُكُهُ أَدَبًا.

(قَوْلُهُ: عَنْ اسْتِنْقَاصِ الرَّعِيَّةِ لَهُمْ) فِيهِ أَنَّ مُرَاجَعَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْكَمَالُ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ فِي الرَّعَايَا الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَجْلَافِ الْأَعْرَابِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لِاسْتِدْلَالِ هَذَا الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ اُشْتُهِرَ) كَاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَشْتَهِرْ لِقِلَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَرَابِعُهَا الْوَقْفُ) اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَدُلَّ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِهِ وَمَا يُنْقَلُ مِنْ الْآحَادِ لَا يَكْفِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ (قَوْلُهُ: وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْوُقُوعِ إلَخْ) أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَانِعِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عِلْمِيَّةٌ وَهَذَا خَبَرُ آحَادٍ يُفِيدُ ظَنَّ الْوُقُوعِ لَا الْقَطْعَ بِهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ تَتَبَّعَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ ذَلِكَ ظَفِرَ بِمَا يُفِيدُ مَجْمُوعُهُ التَّوَاتُرُ الْمَعْنَوِيُّ، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَتَلَ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ يَطْلُبُ سَلَبَهُ فَقَالَ رَجُلٌ سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي وَطَلَبَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُرْضِيَهُ عَنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>