للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا قَالَ كِتَابُهُ الْمُبِينُ {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] (الْمَبْعُوثُ إلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ) كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «وَأُرْسِلْتُ إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً» وَفُسِّرَ بِالْإِنْسِ وَالْجِنِّ، كَمَا فُسِّرَ بِهِمَا مَنْ بَلَغَ، فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩] أَيْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ، وَالْعَالَمِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ١] .

وَصَرَّحَ الْحَلِيمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُرْسَلْ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَفِي الْبَابِ الْخَامِسَ عَشَرَ بِانْفِكَاكِهِمْ مِنْ شَرْعِهِ وَفِي تَفْسِيرَيْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْبُرْهَانِ النَّفْيُ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا إلَيْهِمْ (الْمُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ) مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يَشْرَكُهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا ذُكِرَ (وَبَعْدَهُ) فِي التَّفْضِيلِ (الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -) فَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْبَشَرِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ

ــ

[حاشية العطار]

فَشَرْعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَمِرٌّ لِلْحَشْرِ أَيْ لَا يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَشْرِ شَرْعٌ آخَرُ وَلَا يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ بِهِ لِلْحَشْرِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَمُوتُونَ قَبْلَهُ بِالرِّيحِ الْمَيِّتَةِ وَتَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَهَذَا مِنْ مَعَانِي اسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَاشِرِ وَنُزُولُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا هُوَ بِالْعَمَلِ بِشَرِيعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ تَابِعٌ لَهُ وَلَيْسَتْ نُبُوَّةً مُبْتَدَأَةً حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى ابْتِدَاؤُهَا وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ إشْكَالُ أَنَّ مَجِيءَ عِيسَى بِشَرِيعَتِنَا كَمَجِيءِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ بِشَرْعِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ عُدُّوا أَنْبِيَاءً مُسْتَقِلِّينَ لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّسُولِ أَنْ يَنْسَخَ شَرْعَ مَنْ قَبْلَهُ وَوَجْهُ السُّقُوطِ أَنَّ أَنْبِيَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ مَجِيئُهُمْ هَذَا هُوَ بَدْءُ نُبُوَّتِهِمْ وَلَا يُنَافِي التَّبَعِيَّةَ رَدُّ الْجُزْئِيَّةِ وَعَدَمُ قَبُولِهَا وَقَدْ قَبِلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ أَخْذَهَا مُغَيًّا إلَى ذَلِكَ الزَّمَنِ فَعَدَمُ قَبُولِهَا تَنْفِيذٌ لِحُكْمِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْجُزْئِيَّةِ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ فَإِنَّ عِلَّةَ قَبُولِهَا الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إعْطَائِهِ الْعَسَاكِرَ لِلْجِهَادِ وَعِنْدَ نُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَقْرُبُ الْقِيَامَةُ وَتَكْثُرُ الْأَمْوَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهَا أَحَدٌ فَهُوَ نَظِيرُ إعْطَائِهِ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مِنْ الْغَنَائِمِ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ لِتَكْثُرَ سَوَادُ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَثُرَ أَهْلُهُ سَقَطَ ذَلِكَ مِنْ زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا دَقِيقًا فَتَأَمَّلْهُ.

(قَوْلُهُ: الْمَبْعُوثُ إلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ) ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ مَبْعُوثٌ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَمِيلُ إلَى عَدَمِهِ (قَوْلُهُ: حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ إلَخْ) طُعِنَ فِيهِ بِمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: الْمُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ) بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَقَدْ شَذَّ الزَّمَخْشَرِيُّ فَذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: ٤٠] الْآيَةَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ جِبْرِيلَ أَفْضَلُ وَقَدْ شُنِّعَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ جَرَاءَةٌ مِنْهُ، وَنَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّفْضِيلِ عَلَى يُونُسَ وَغَيْرِهِ لِلتَّوَاضُعِ أَوْ لَا تُفَضِّلُونِي تَفْضِيلًا يُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِ الْمَفْضُولِ وَذَكَرَ الْيُوسِيُّ فِي حَوَاشِي الْكُبْرَى يَنْبَغِي لَك أَنْ تَسْتَحْضِرَ فِي مَعْنَى الْأَفْضَلِيَّةِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ الصَّالِحُ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ فِي رَسَائِلِهِ الْكُبْرَى حَيْثُ قَالَ: إنَّهَا بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْ أَجْلِ عِلَّةٍ مُوجِبَةٍ لِذَلِكَ وُجِدَتْ فِي الْفَاضِلِ وَوُجِدَتْ فِي الْمَفْضُولِ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُفَضِّلَ بَعْضَ عَبِيدِهِ عَلَى بَعْضٍ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ كَامِلًا فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ وَذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ لَهُ بِحَقِّ سِيَادَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَغْرَاضِ وَغَيْرُ هَذَا تَعَسُّفٌ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي سُوءِ الْأَدَبِ وَمَا زِلْت أَسْتَثْقِلُ قَوْلَهُمْ إنَّ فُلَانًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ حَالُهُ كَذَا وَحَالُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْحَالَيْنِ لِمَا يُوهِمُ مِنْ النَّقْصِ وَالِانْحِطَاطِ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَشْرَكُهُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: فَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْبَشَرِ إلَخْ) فِي عَقَائِدِ النَّسَفِيِّ أَنَّ رُسُلَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>