للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخَارِقُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى التَّحَدِّي وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْهُ بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَخَرَجَ السِّحْرُ وَالشَّعْبَذَةُ مِنْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ إذْ لَا مُعَارَضَةَ بِذَلِكَ.

(وَالْإِيمَانُ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ)

ــ

[حاشية العطار]

أَيْ بِطَلَبِهِ الْمُعَارَضَةَ مِنْهُمْ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالتَّحَدِّي الدَّعْوَى تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَكْتَفِي بِدَعْوَى الرِّسَالَةِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِالتَّحَدِّي بِمَعْنَى طَلَبِ الْإِتْيَانِ بِالْمِثْلِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلتَّحَدِّي كَقَوْلِهِ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ: وَالْخَارِقُ الْمُتَقَدِّمُ) وَهُوَ الْإِرْهَاصُ مِنْ الرِّهْصِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ أَسَاسُ الْحَائِطِ كَرُؤْيَةِ آمِنَةَ أُمُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النُّورَ وَسُقُوطِ إيوَانِ كِسْرَى وَالنُّورِ الَّذِي يَظْهَرُ فِي عَبْدِ اللَّهِ وَالِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ السِّحْرُ) أَيْ خَرَجَ نَحْوُ السِّحْرِ بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ مَا يُعَارَضُ بِهِ الْخَارِقُ فَلَا يُشْتَرَطُ عَدَمُهُ لِأَنَّهُ لَا يُعَارَضُ بِهِ الْخَارِقُ وَهَذَا مَا قَرَّرَ بِهِ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَقَرَّرَ غَيْرُهُ بِأَنَّ نَحْوَ السِّحْرِ خَرَجَ بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ كَوْنِ الْخَارِقِ مُعَارَضًا بِمِثْلِهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ خَارِقٌ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ بِمِثْلِهِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَدَقُّ وَالثَّانِي أَنْسَبُ بِبَيَانِ مَا يَخْرُجُ بِالْقُيُودِ قَالَهُ زَكَرِيَّا وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ أَنَّ السِّحْرَ إظْهَارُ أَمْرٍ خَارِقٍ لِعَادَةٍ مِنْ نَفْسٍ شِرِّيرَةٍ خَبِيثَةٍ بِمُبَاشَرَةِ أَعْمَالٍ مَخْصُوصَةٍ.

وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ جَائِزٌ عَقْلًا ثَابِتٌ سَمْعًا وَكَذَلِكَ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ هُوَ مُجَرَّدُ إرَادَةِ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّعْبَذَةِ الَّتِي سَبَبُهَا خِفَّةُ حَرَكَاتِ الْيَدِ وَإِخْفَاءُ وَجْهِ الْحِيلَةِ فِيهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْإِيمَانُ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ) قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ اللُّغَوِيُّ وَأَنَّ التَّصْدِيقَ الْمَنْطِقِيَّ بِعَيْنِهِ التَّصْدِيقُ اللُّغَوِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَوْرَدَهُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْمَنْطِقِيَّ إنَّمَا بَيَّنَ مَا هُوَ فِي الْعُرْفِ وَاللُّغَةِ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إنَّ التَّصْدِيقَ اللُّغَوِيَّ أَخَصُّ مِنْ الْمَنْطِقِيِّ فَإِنَّ الصُّورَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ النِّسْبَةِ التَّامَّةِ الْخَبَرِيَّةِ تَصْدِيقٌ قَطْعًا فَإِنْ كَانَ حَاصِلًا بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ بِحَيْثُ يَسْتَلْزِمُ الْإِذْعَانَ وَالْقَبُولَ فَهُوَ تَصْدِيقٌ لُغَوِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَمَنْ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى شَيْءٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ جِدَارٌ أَوْ فَرَسٌ فَهُوَ مَعْرِفَةٌ يَقِينِيَّةٌ وَلَيْسَ بِتَصْدِيقٍ لُغَوِيٍّ اهـ. مُلَخَّصًا.

وَأُورِدُ أَنَّ التَّصْدِيقَ الْمَنْطِقِيَّ يَعُمُّ الظَّنَّ فَمُقْتَضَاهُ كِفَايَةُ الظَّنِّ فِي الْإِيمَانِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ السَّيِّدَ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ بِأَنَّ الظَّنَّ الْغَالِبَ الَّذِي لَا يَخْطُرُ مَعَهُ احْتِمَالُ النَّقِيضِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَقِينِ فِي كَوْنِهِ إيمَانًا حَقِيقِيًّا فَإِنَّ إيمَانَ أَكْثَرِ الْعَوَامّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اهـ.

وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّصْدِيقِ الْجَازِمِ الثَّابِتِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ عَدَمُ كِفَايَةِ الظَّنِّ الْقَوِيِّ الَّذِي لَا يَخْطُرُ مَعَهُ احْتِمَالُ النَّقِيضِ مَحَلُّ كَلَامٍ هَذَا وَاَلَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ مَا اخْتَارَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ أَيْ الْإِذْعَانُ لِذَلِكَ وَالْقَبُولُ لَهُ فَإِنَّ هَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى التَّصْدِيقِ الْمَنْطِقِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِدُونِ الْإِذْعَانِ وَالِانْقِيَادِ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٦] وَقَالَ تَعَالَى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤] وَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ إنَّ كَثْرَةَ الْأَقْوَالِ فِيهِ أَيْ فِي الْإِيمَانِ تَقْتَضِي خَفَاءَ حَقِيقَتِهِ مَا هِيَ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا اسْتِبْعَادٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْوَاضِحِ نَعَمْ عُمْدَةُ الْأَمْرِ عَلَى الِانْقِيَادِ وَالْقَبُولِ انْتَهَى وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْإِيمَانَ حَادِثٌ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْعَبْدِ كَالْكُفْرِ وَمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّشَدُّقُ مِنْ بَعْضِ الْمُتَنَطِّعَةِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ بَعْضَ مَسَائِلَ مِنْ رَسَائِلَ أَلَّفَهَا أَمْثَالُهُمْ مِنْ الْجُهَّالِ مِنْ قَوْلِهِمْ هَذَا الْإِيمَانُ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ وَهَلْ هُوَ فِيك أَمْ أَنْتَ فِيهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا يُصْغَى إلَيْهِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ قَدِيمٌ بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ الْهِدَايَةُ خُرُوجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ عَلَى أَنَّ الْهِدَايَةَ بِمَعْنَى الْإِيصَالِ أَوْ الدَّلَالَةِ حَادِثَةٌ وَفِي التَّفْتَازَانِيِّ فَإِنْ قِيلَ قَدْ لَا يَبْقَى التَّصْدِيقُ كَمَا فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ قُلْنَا التَّصْدِيقُ بَاقٍ فِي الْقَلْبِ وَالذُّهُولُ إنَّمَا هُوَ عَنْ حُصُولِهِ وَلَوْ سُلِّمَ فَالشَّارِعُ جَعَلَ الْمُحَقَّقَ الَّذِي لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُضَادُّ فِي حُكْمِ الْبَاقِي حَتَّى كَانَ الْمُؤْمِنُ اسْمًا لِمَنْ آمَنَ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا هُوَ عَلَامَةُ التَّكْذِيبِ اهـ.

وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ قَائِمٌ بِالرُّوحِ حَقِيقَةً وَبِالْجَسَدِ حُكْمًا فَإِنَّ الْمَعَارِفَ وَالْعُلُومَ تَبْقَى مَعَ الرُّوحِ فَإِنْ قُلْت حَدِيثُ «لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» إلَخْ يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْإِيمَانِ حِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>