الْخَوَارِقَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَكَذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ قَالَ كُلُّ مَا جَازَ تَقْدِيرُهُ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ ظُهُورُ مِثْلِهِ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ وَإِنَّمَا مَبَالِغُ الْكَرَامَاتِ إجَابَةُ دَعْوَةٍ أَوْ مُوَافَاةُ مَاءٍ فِي بَادِيَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّعِ الْمِيَاهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَنْحَطُّ عَنْ خَرْقِ الْعَادَاتِ.
(وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) بِبِدْعَتِهِ كَمُنْكِرِي
ــ
[حاشية العطار]
يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُطْلِعُ عَلَى الْغَيْبِ إلَّا الْمُرْتَضَى الَّذِي هُوَ مُصْطَفًى لِلنُّبُوَّةِ خَاصَّةً لَا كُلَّ مُرْتَضًى وَفِي هَذَا إبْطَالُ الْكَرَامَاتِ لِأَنَّ الَّذِينَ تُضَافُ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا أَوْلِيَاءَ مُرْتَضَيْنَ فَلَيْسُوا بِرُسُلٍ وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ الرُّسُلَ مِنْ بَيْنِ الْمُرْتَضَيْنَ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ وَإِبْطَالِ الْكِهَانَةِ وَالتَّنْجِيمِ لِأَنَّ أَهْلَهُمَا أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنْ الِارْتِضَاءِ وَأَدْخَلُهُمَا فِي السَّخَطِ اهـ.
قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الِانْتِصَافِ ادَّعَى الزَّمَخْشَرِيُّ عَامًّا وَاسْتَدَلَّ بِخَاصٍّ وَيَجُوزُ إعْطَاؤُهُمْ الْكَرَامَاتِ كُلِّهَا إلَّا الِاطِّلَاعَ عَلَى الْغَيْبِ اهـ.
وَقَدْ أُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّسُولِ الْمَلَكُ وَالْإِظْهَارُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَاطِّلَاعُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ كَاطِّلَاعِنَا عَلَى أَحْوَالِ الْآخِرَةِ بِتَوَسُّطِ الْأَنْبِيَاءِ وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْغَيْبِ عَلَى مَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ الَّتِي لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِنْ أُرِيدَ غَيْبٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْأَشْيَاءُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: ٣٤] الْآيَةَ وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: ٥٩] لَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ.
وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: ٢٦] عَلَى قَوْلِهِ {عَالِمُ الْغَيْبِ} [الجن: ٢٦] فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ حَصْرُ عَالِمِيَّةِ الْغَيْبِ فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْغَيْبَ الْمَخْصُوصَ الْمَعْرُوفَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَبَعْضُهُ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ غَيْبِهِ وَحِينَئِذٍ لَا مَسَاغَ لِلتَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ فِيمَا ادَّعَاهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّعْمِيمِ وَإِرَادَةِ الِاسْتِغْرَاقِ يَكُونُ الْمَعْنَى فَلَا يُطْلِعُ عَلَى جَمِيعِهِ فَلَا يُنَافِي جَوَازَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْبَعْضِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ ظُهُورُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ تَكَادُ تَلْحَقُ بِمُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنْكَارُهَا لَيْسَ بِعَجِيبٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ بِالْبَصْرَةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِمَكَّةَ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ جَوَازَ ذَلِكَ يَكْفُرُ وَالْإِنْصَافُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ حِينَ سُئِلَ عَمَّا يُحْكَى أَنَّ الْكَعْبَةَ كَانَتْ تَزُورُ أَحَدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ هَلْ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ فَقَالَ نَقْضُ الْعَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ.
قَالَ الْجَامِيُّ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ الْكَامِلَةُ إذَا تَحَقَّقَتْ بِمَظْهَرِيَّةِ الِاسْمِ الْجَامِعِ تَظْهَرُ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَانْحِصَارٍ فَتَصْدُقُ تِلْكَ الصُّوَرُ عَلَيْهَا وَتَتَصَادَقُ لِاتِّحَادِ عَيْنِهَا كَمَا تَتَعَدَّدُ لِاخْتِلَافِ صُوَرِهَا وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي إدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّهُ هُوَ إلْيَاسُ الْمُرْسَلُ إلَى بَعْلَبَكَّ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْعَيْنَ خَلَعَ الصُّورَةَ الْإِدْرِيسِيَّةَ وَلَبِسَ لِبَاسَ الصُّورَةِ الْإِلْيَاسِيَّةِ وَإِلَّا لَكَانَ قَوْلًا بِالتَّنَاسُخِ بَلْ إنَّ هُوِيَّةَ إدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ كَوْنِهَا قَائِمَةً فِي آنِيَةٍ وَصُورَةٍ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ ظَهَرَتْ وَتَعَيَّنَتْ فِي آنِيَةِ إلْيَاسَ الْبَاقِي إلَى الْآنَ فَيَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنُ وَالْحَقِيقَةُ وَاحِدًا وَمِنْ حَيْثُ التَّعَيُّنُ الصُّورِيُّ اثْنَيْنِ كَنَحْوِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَعِزْرَائِيلَ يَظْهَرُونَ فِي الْآنِ الْوَاحِدِ فِي مِائَةِ أَلْفِ مَكَان بِصُوَرٍ شَتَّى كُلُّهَا قَائِمَةٌ بِهِمْ وَكَذَلِكَ أَرْوَاحُ الْكُمَّلِ كَمَا يُرْوَى عَنْ قَضِيبِ الْبَانِ الْمُوصِلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُرَى فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فِي مَجَالِسَ مُتَعَدِّدَةٍ مُشْتَغِلًا فِي كُلٍّ بِأَمْرٍ يُغَايِرُ مَا فِي الْآخَرِ وَلَمَّا لَمْ يَسَعْ هَذَا الْحَدِيثَ أَوْهَامُ الْمُتَوَغِّلِينَ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ تَلَقَّوْهُ بِالرَّدِّ وَالْعِنَادِ وَحَكَمُوا عَلَيْهِ بِالْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ وَأَمَّا الَّذِينَ مُنِحُوا التَّوْفِيقَ لِلنَّجَاةِ مِنْ هَذَا الْمَضِيقِ فَسَلَّمُوا اهـ. مَعَ نَوْعِ تَغْيِيرٍ.
وَقَوْلُ التَّفْتَازَانِيِّ وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ إلَخْ لَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ سُئِلَ الزَّعْفَرَانِيُّ عَمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَأَى ابْنِ أَدْهَمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِالْكُوفَةِ وَرَآهُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِمَكَّةَ قَالَ كَانَ مُقَاتَلٌ بِكُفْرِهِ فَيَقُولُ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ لَا مِنْ الْكَرَامَاتِ وَأَمَّا أَنَا فَأَسْتَجْهِلُهُ وَلَا أُطْلِقُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ يَكْفُرُ.
وَعَلَى هَذَا مَا يَحْكِيهِ جَهَلَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute