صِفَاتِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ أَفْعَالَ عِبَادِهِ وَجَوَازِ رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنَّا مَنْ كَفَّرَهُمْ أَمَّا مَنْ خَرَجَ بِبِدْعَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمُنْكِرِي حُدُوثَ الْعَالَمِ وَالْبَعْثَ وَالْحَشْرَ لِلْأَجْسَامِ وَالْعِلْمَ بِالْجُزْئِيَّاتِ فَلَا نِزَاعَ فِي كُفْرِهِمْ لِإِنْكَارِهِمْ بَعْضَ مَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ ضَرُورَةً
(وَلَا نُجَوِّزُ) نَحْنُ (الْخُرُوجَ عَلَى السُّلْطَانِ) وَجَوَّزَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْخُرُوجَ عَلَى الْجَائِرِ لِانْعِزَالِهِ بِالْجَوْرِ عِنْدَهُمْ
(وَنَعْتَقِدُ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ) وَهُوَ لِلْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ الْمُرَادُ تَعْذِيبُهُ بِأَنْ تُرَدَّ الرُّوحُ إلَى الْجَسَدِ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ.
(وَسُؤَالَ الْمَلَكَيْنِ) مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ لِلْمَقْبُورِ بَعْدَ رَدِّ رُوحِهِ إلَيْهِ عَنْ رَبِّهِ وَدِينِهِ وَنَبِيِّهِ فَيُجِيبُهُمَا بِمَا يُوَافِقُ مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ إيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ وَالْحَشْرَ
ــ
[حاشية العطار]
خُوَارِزْمَ أَنَّ فُلَانًا كَانَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ بِخُوَارِزْمَ وَفَرْضَهُ بِمَكَّةَ اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَمِنَّا مَنْ كَفَّرَهُمْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَهُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: وَلِلْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ) فِي تَكْفِيرِهِمْ بِهِ نِزَاعٌ ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا
(قَوْلُهُ: لِانْعِزَالِهِ عِنْدَهُمْ بِالْجَوْرِ) قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يَنْعَزِلُ الْإِمَامُ بِالْفِسْقِ وَالْجَوْرِ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ الْفِسْقُ وَانْتَشَرَ الْجَوْرُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَرَاءِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالسَّلَفُ كَانُوا يَنْقَادُونَ لَهُمْ وَيُقِيمُونَ الْجُمَعَ وَالْأَعْيَادَ بِإِذْنِهِمْ وَلَا يَرَوْنَ الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَنَعْتَقِدُ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ) أَيْ وَكَذَا نَعِيمُهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِيهِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ عَامَّةِ أَهْلِ الْقُبُورِ كُفَّارٌ وَعُصَاةٌ فَكَانَ التَّعْذِيبُ بِالذِّكْرِ أَجْدَرُ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْقَبْرِ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّ غَيْرَ الْمَقْبُورِ كَالْغَرِيقِ وَالْمَأْكُولِ فِي بُطُونِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَصْلُوبِ فِي الْهَوَاءِ كَذَلِكَ وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي عَجَائِبِ مُلْكِهِ وَمَلَكُوتِهِ لَمْ يَسْتَبْعِدْ ذَلِكَ قَالَ السَّعْدُ وَقَدْ أَنْكَرَ عَذَابَ الْقَبْرِ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ وَقَالُوا لِأَنَّ الْمَيِّتَ جَمَادٌ لَا حَيَاةَ لَهُ فَتَعْذِيبُهُ مُحَالٌ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ أَوْ بَعْضِهَا نَوْعًا مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرَ مَا يُدْرِكُ أَلَمَ الْعَذَابِ أَوْ لَذَّةَ النَّعِيمِ، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ إعَادَةَ الرُّوحِ إلَى بَدَنِهِ وَلَا أَنْ يَتَحَرَّك وَيَضْطَرِبَ أَوْ يُرَى أَثَرُ الْعَذَابِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ تُرَدَّ الرُّوحُ إلَخْ) فِيهِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْعَذَابَ لِلرُّوحِ مَعَ الْبَدَنِ وَكَذَا النَّعِيمُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ لِلرُّوحِ وَقَالَ الْكَرَّامِيَّةُ وَالصَّالِحِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ يَجُوزُ التَّعْذِيبُ بِدُونِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْإِدْرَاكِ وَقَالَ ابْنُ الرَّاوَنْدِيُّ إنَّ الْحَيَاةَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ مَيِّتٍ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ ضِدَّ الْحَيَاةِ بَلْ هُوَ آفَةٌ كُلِّيَّةٌ مُعْجِزَةٌ عَنْ الْأَفْعَالِ وَالِاخْتِيَارِيَّة غَيْرُ مُنَافِيَةٍ لِلْعِلْمِ وَالْكُلُّ لَا يُوَافِقُ أُصُولَ أَهْلِ الْحَقِّ قَالَهُ السَّعْدُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الرُّوحَ تُرَدُّ لِلْبَدَنِ كُلِّهِ وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الرُّوحُ تَعُودُ لِلنِّصْفِ الْأَعْلَى فَقَطْ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هِيَ حَيَاةٌ لَا تَنْفِي إطْلَاقَ اسْمِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ فَهِيَ أَمْرٌ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ كَتَوَسُّطِ النَّوْمِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ تَلَاشَتْ أَجْزَاؤُهُ
(قَوْلُهُ: مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ) بِفَتْحِ كَافِ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ كَافِ الثَّانِي عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ وَالثَّانِي فَعِيلٌ إمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِمَا قِيلَ إنَّ الْقِيَاسَ فِي الْأَوَّلِ الْكَسْرُ لِإِنْكَارِهِ عَلَى الْعَاصِي وَعِلَّةُ الْفَتْحِ أَنَّ صُورَتَهُمَا لَا تُشْبِهُ خَلْقَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا الْمَلَائِكَةَ وَلَا الطَّيْرَ وَلَا الْبَهَائِمَ وَلَا الْهَوَامَّ بَلْ هُمَا خَلْقٌ بَدِيعٌ لَيْسَ خَلْقُهُمَا أُنْسًا لِلنَّاظِرِينَ جَعَلَهُمَا اللَّهُ تَذْكِرَةً لِلْمُؤْمِنِ وَهَتْكًا لِسَتْرِ الْمُنَافِقِ وَهُمَا لِلْمُؤْمِنِ الطَّائِعِ وَغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقِيلَ: هُمَا لِلْكَافِرِ وَالْعَاصِي وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْمُوَفَّقُ فَإِنَّهُمَا مَلَكَانِ اسْمُ أَحَدِهِمَا بَشِيرٌ وَالْآخَرُ مُبَشِّرٌ قِيلَ وَمَعَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ نَاكُورٌ وَيَجِيءُ قَبْلَهُمَا مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ رُومَانُ وَحَدِيثُهُ قِيلَ مَوْضُوعٌ وَقِيلَ: فِيهِ لِينٌ وَلَمْ يَثْبُتْ حُضُورُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا رُؤْيَةُ الْمَيِّتِ لَهُ عِنْدَ السُّؤَالِ نَعَمْ ثَبَتَ حُضُورُ إبْلِيسَ فِي زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْقَبْرِ مُشِيرًا إلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْمَلَكِ لِلْمَيِّتِ مَنْ رَبُّك مُسْتَدْعِيًا مِنْهُ جَوَابَهُ بِهَذَا رَبِّي (قَوْلُهُ: مِنْ إيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْكَافِرَ يُسْأَلُ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَمْهِيدِهِ الْكَافِرُ لَا يُسْأَلُ وَإِنَّمَا يُسْأَلُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ (قَوْلُهُ: وَالْحَشْرُ) هُوَ الْجَمْعُ لِلْعَرْضِ وَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ بِأَنْ يُحْيِيَهُمْ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ وُجُودًا وَهُوَ مَعْنَى النَّشْرِ قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَيَكْفُرُ مُنْكِرُهُ وَأَمَّا الْمَعَادُ الرُّوحَانِيُّ أَعْنِي الْتِذَاذَ